وجه آخر: أنّه بيّن أن فتنتهنّ ضارة بالرجال بل هي أضرّ الفتن عليهم، والقاعدة في الشريعة: (تحريم كل ما فيه ضرر) على الدين أو النفس لحديث: «لا ضرر ولا ضرار» ([104] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn104)).
وما قيل في حق الرجال مع النساء يقال في حق النساء مع الرجال؛ لأن ما ثبت للرجل يثبت نظيره للمرأة إلا ما دلّ الدليل على اختصاصه بالرجال، ولأنّ اختلاطها بالرجل إيقاع للضرر عليه، وإيقاع الضرر بالغير محرم للحديث السابق.
وأفاد الحديث أن هذا الحكم عام في جميع الرجال، وجميع النساء، وذلك من قوله r ( على الرجال من النساء) والقاعدة في علم أصول الفقه: (أن الألف واللام إذا دخلت على جمع أفادت العموم) ([105] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn105))، فلا يصح تخصيص كونهن فتنة بصورة الخلوة فقط لأن القاعدة في علم الأصول: (أن العامّ يبقى على عمومه ما لم يرد مخصص) غير أنّه يستثنى من هذا الحكم الزوج، والمحارم للأدلة المشهورة على جواز مخالطتهم.
تلكَ عشرةٌ كاملة من الأحاديث النبوية الدالة على منع الاختلاط بين الجنسين.
الباب الثالث: الاختلاط في ضوء مقاصد الشريعة.
تكلّم إمام المقاصد أبو إسحاق الشاطبي: عن طرق الكشف عن مقاصد الشارع ومما قال في ذلك:
( ... فبماذا يعرف ما هو مقصود له مما ليس بمقصود له؟
والجواب أن النظر ههنا ينقسم بحسب التقسيم العقلي ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقال إن مقصد الشارع غائب عنا حتى يأتينا ما يعرفنا به وليس ذلك إلا بالتصريح الكلامي مجردا عن تتبع المعاني التي يقتضيها الاستقراء ولا تقتضيها الألفاظ بوضعها اللغوي ... وهو رأي الظاهرية الذين يحصرون مظان العلم بمقاصد الشارع في الظواهر والنصوص.
والثاني في الطرف الآخر من هذا إلا أنه ضربان:
الأول: دعوى أن مقصد الشارع ليس في هذه الظواهر ولا ما يفهم منها وإنما المقصود أمر آخر وراءه ويطرد هذا في جميع الشريعة حتى لا يبقى في ظاهرها متمسك يمكن أن يلتمس منه معرفة مقاصد الشارع وهذا رأي كل قاصد لإبطال الشريعة وهم الباطنية فإنهم لما قالوا بالإمام المعصوم لم يمكنهم ذلك إلا بالقدح في النصوص والظواهر الشرعية لكي يفتقر إليه على زعمهم ومآل هذا الرأي إلى الكفر والعياذ بالله والأولى أن لا يلتفت إلى قول هؤلاء فلننزل عنه إلى قسم آخر يقرب من موازنة الأول وهو:
الضرب الثاني: بأن يقال إن مقصود الشارع الالتفات إلى معاني الألفاظ بحيث لا تعتبر الظواهر والنصوص إلا بها على الاطلاق فإن خالف النص المعنى النظري اطُّرِحَ وقدم المعنى النظري ... وهو رأي المتعمقين في القياس المقدمين له على النصوص وهذا في طرف آخر من القسم الأول.
والثالث: أن يقال باعتبار الأمرين جميعا على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص ولا بالعكس لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض. وهو الذي أمَّهُ أكثر العلماء الراسخين فعليه الاعتماد في الضابط الذي به يعرف مقصد الشارع فنقول وبالله التوفيق إنه يعرف من جهات:
إحداها: مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي؛ فإن الأمر معلومٌ أنه إنما كان أمرًا لاقتضائه الفعل فوقوع الفعل عند وجود الأمر به مقصود للشارع.
وكذلك النهي معلوم أنه مقتض لنفي الفعل أو الكف عنه فعدم وقوعه مقصود له وإيقاعه مخالف لمقصوده كما أن عدم إيقاع المأمور به مخالف لمقصوده ... ) ([106] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn106)).
وإذا طبّقنا ما ذكره الشاطبي على نصوص الأمر والنهي التي سبق إيرادُها يتبين لنا:
· أن الفصل بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم من مقاصد الشريعة؛ لورود الأمر به في النصوص كقوله تعالى: (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) ([107] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn107)).
· وأنّ الاختلاط بين الجنسين مخالفٌ لمقصود الشرع؛ لورود النهي عنه في جملة من النصوص مثل: قوله r: « إياكم والدخول على النساء» ([108] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn108)).
¥