تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيه قوتها , ولمّا كانت القوة الشيطانية عارضة، ثابتة، لازمة لذوات الأنياب من السباع: حرّمها الشارع , ولما كانت القوة الشيطانية عارضة في الإبل: أمرَ بكسرها بالوضوء لمَن أكل منها , ولمّا كانت الطبيعة الحمارية لازمة للحمار: حرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية , ولما كان الدم مَرْكب الشيطان، ومجراه: حرَّمه الله تعالى تحريماً لازماً.

فمَن تأمل حكمة الله سبحانه في خلقه، وأمره , وطبق بين هذا وهذا: فتحا له باباً عظيماً من معرفة الله تعالى، وأسمائه، وصفاته." التبيان في أقسام القرآن " (ص 232).

وقال ابن خلدون - رحمه الله -:

أكلت الأعراب لحم الإبل: فاكتسبوا الغلظة، وأكل الأتراك لحم الفرس: فاكتسبوا الشراسة، وأكل الإفرنج لحم الخنزير: فاكتسبوا الدياثة.

سادساً:

طرق الوقاية من المرض، والعلاج منه

1. بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من الوسائل التي يدفع الإنسان بها المرض: أن يحمي نفسه من أسبابه، فلا يتناول ما يسبب له المرض كأكل الميتة، وشرب الدم، ولذا كان المستجيب لأمر الله في منع نفسه من تناول ما حرّم الله عليه: أسعد الناس بعدم إصابته بالأمراض التي تصيب من تجرأ على تناوله.

2. ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً).

رواه البخاري (5354).

قال ابن حجر – رحمه الله -:

وفيها كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله، وبتقديره، وأنها لا تنجع بذواتها، بل بما قدّره الله تعالى فيها , وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدَّر الله ذلك , وإليه الإشارة بقوله في حديث جابر بإذن الله، فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته , والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع، والعطش بالأكل، والشرب , وكذلك تجنب المهلكات , والدعاء بطلب العافية، ودفع المضار، وغير ذلك.

ثم قال:

والحاصل: أن حصول الشفاء بالدواء: إنما هو كدفع الجوع بالأكل، والعطش بالشرب , وهو ينجع في ذلك في الغالب، وقد يتخلف لمانع، والله أعلم." فتح الباري " (10/ 135، 136).

3. ذكر العلماء أن قواعد الطب ثلاثة، وكلها ذكرها الله تعالى في القرآن.

قال ابن القيم - رحمه الله -:

وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظ الصحة , والحمية عن المؤذي , واستفراغ المواد الفاسدة، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة في هذه المواضع الثلاثة:

فقال في آية الصوم: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) البقرة/ 184، فأباح الفطر للمريض لعذر المرض , وللمسافر؛ طلباً لحفظ صحته، وقوته؛ لئلا يذهبها الصوم في السفر لاجتماع شدة الحركة , وما يوجبه من التحليل، وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل، فتخور القوة، وتضعف، فأباح للمسافر الفطر؛ حفظاً لصحته، وقوته عما يضعفها.

وقال في آية الحج: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة/ 196، فأباح للمريض ومَن به أذى من رأسه، من قمل، أو حكة، أو غيرهما: أن يحلق رأسه في الإحرام؛ استفراغاً لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر، فإذا حلق رأسه: تفتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها؛ فهذا الاستفراغ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه.

والأشياء التي يؤذي انحباسها، ومدافعتها عشرة: الدم إذا هاج، والمني إذا تبيغ، والبول، والغائط، والريح، والقيء، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطش.

وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبْسه داءٌ من الأدواء، بحسبه.

وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها، وهو البخار المحتقن في الرأس، على استفراغ ما هو أصعب منه، كما هي طريقة القرآن التنبيه بالأدنى على الأعلى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير