ومن كَثُف إدراكه وغلظت طباعه عن إدراك هذا، فلينظر إلى الشمس في علو محلها، وتعلقها وتأثيرها في الأرض، وحياة النبات والحيوان بها، هذا وشأن الروح فوق هذا، فلها شأن، وللأبدان شأن، وهذه النار تكون في محلها، وحرارتها تؤثر في الجسم البعيد عنها، مع أن الارتباط والتعلق الذي بين الروح والبدن أقوى وأكمل من ذلك وأتم، فشأن الروح أعلى من ذلك وألطف " انتهى.
" زاد المعاد " (3/ 40 - 41)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" حياته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب، ولا يدري كنهَها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية، ولا تخضع لقوانينها، فالإنسان في الدنيا يأكل ويشرب ويتنفس ويتزوج ويتحرك ويتبرز ويمرض ويتكلم، ولا أحد يستطيع أن يثبت أن أحدا بعد الموت حتى الأنبياء عليهم السلام - وفي مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم - تعرض له هذه الأمور بعد موته.
ومما يؤكد هذا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل كثيرة بعد وفاته، ولم يخطر في بال أحد منهم الذهاب إليه صلى الله عليه وسلم في قبره ومشاورته في ذلك وسؤاله عن الصواب فيها لماذا؟
إن الأمر واضح جدا وهو أنهم كلهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم انقطع عن الحياة الدنيا، ولم تعد تنطبق عليه أحوالها ونواميسها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حي أكمل حياة يحياها إنسان في البرزخ، ولكنها حياة خاصة لا تشبه حياة الدنيا، ولعل مما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)، وعلى كل حال فإن حقيقتها لا يدريها إلا الله سبحانه وتعالى، ولذلك فلا يجوز قياس الحياة البرزخية أو الحياة الأخروية على الحياة الدنيوية، كما لا يجوز أن تعطى واحدة منها أحكام الأخرى، بل لكل منها شكل خاص، وحكم معين، ولا تتشابه إلا في الاسم، أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى " انتهى.
" التوسل " (ص/60)
رابعا:
صلاة موسى عليه السلام وسائر الأنبياء في قبورهم ليست على وجه التكليف، إذ التكليف منقطع بالموت، وإنما هي على وجه التنعم والتلذذ بعبادة الله وإقامة ذكره.
قال القرطبي رحمه الله:
" فإن قيل: كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف؟
فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حببت لهم عبادة الله تعالى والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عرفوا به، فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة، لا تكليفية، وقد وقع مثل هذا لثابت البناني رضى الله عنه؛ فإنه حببت الصلاة إليه حتى كان يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدا يصلي لك في قبره، فأعطني ذلك، فرآه مُلَحِّدُهُ بعدما سوى عليه لحده قائما يصلي في قبره، وقد دل على صحة ذلك كله قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (يموت المرء على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه)، وقد جاء في الصحيح: (أن أهل الجنة يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس) انتهى.
" المفهم "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح، فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَّفَس؛ فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (4/ 330)
خامسا:
حياة الأنبياء بعد موتهم، وخصائصها، وكيفيتها، وما يتعلق بذلك: كله أمر غيبي لا يرجع المرء من تكلف التنقير عنه بطائل، فالتسليم أولى، وتفويض العلم إلى الله هو الواجب ابتداء وانتهاء.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة":
¥