تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - فارس الخوري (1290 - 1381هـ): من نصارى سوريا، وهو كان من رجالات العرب لوقته، سياسي ومعلم وخطيب وشاعر وقانوني كبير .. واسع المعرفة، سريع البديهة، حاضر الذهن، ذو سيرة حافلة.

كان يحمل على الدوام سبحة لا تفارقه، له معها نوادر وحكايات، ولما حضر مجلس الأمن غدت معروفة لكثرة ما كان يداعب حباتها، وذات يوم سأله وزير خارجية بريطانيا أرنست بيفن:

ماذا تقول يا مستر خوري وأنت تداعب حبات سبحتك؟

فأجابه فارس مبتسماً: أردد: اللهم ألْهِم مستر بيفن الحق، اللهم ألْهِم مستر بيفن الحق!

كان في مجلس من المجالس فجرى نقاش أدبي عن أيتها أولى بالمحلّ العالي من الأدب من صاحبتها، أميّ زيادة أم ماري عجمي؟ وكان فارس ينتصر لبلديّته ماري عجمي على ميّ زيادة فقال على البديهة:

يا رجال الألمعيّه اسمعوا هذي الشهاده

إن ماري العجميّه هي ميٌّ وزياده!

لحنّا خباز وجورج حدّاد كتاب عنه عنوانه "فارس الخوري حياته وعصره" لم أطلع عليه، ولمحمد الفرحاني كتاب "فارس الخوري وأيام لا تنسى"، وكتبت عنه حفيدته الأديبة كوليت خوري كتاباً ماتعاً عنوانه "أوراق فارس الخوري" ..

قال عنه تلميذه الشيخ علي الطنطاوي في "مذكراته" 2/ 166، 186: "هو العالم الشاعر الفحل الخطيب البارع في العربية والإنكليزية، رئيس مجلس النواب مرات، ورئيس مجلس الوزراء، وكان رئيس مجلس الأمن مرة .. أحد عباقرة العرب في هذا العصر علماً وفكراً وبياناً، وكنت أعجب منه كيف يكون له هذا الاطلاع على الإسلام وهذا العقل ولا يهديه عقله إلى اتباع دين الحق الذي لاحق في الأديان غيره، لاسيما وأنه كان يتمسك بأوهى خيط من النصرانية فقد كان بروتستانتياً، بل كان أقرب إلى أن يكون بلا دين.

فلما مرض وطال مرضه رأيناه كلما عاده أحد من المسلمين حدّثه عن الإسلام، وكان يكثر أن يطلب من شيخنا الشيخ محمد بهجت البيطار ومن غيره أن يقرأ عليه القرآن، وأوصى - ونُفّذت وصيته - أن يتلى القرآن في مجلس التعزية به إذا مات. فكنت أحار في تفسير هذا كله، حتى نشر الأستاذ محمد الفرحاني كتابه عنه، وقد كان ملازماً له في مرضه لا يفارقه أبداً، فإذا هو يؤكد أنه مات على دين الإسلام .. ".

قلتُ: كنتُ أتردّد "أحياناً يسيرة" على الأستاذ عاصم ابن العلامة محمد بهجت البيطار رحمهما الله تعالى، أسأله عن والده وعن العلم وأهله .. وكان بين والده العلامة محمد بهجت وفارس الخوري صلة قوية، فسألته يوماً: أستاذ عاصم؛ هل أسلم فارس الخوري؟

فقال لي: زار والدي فارسَ الخوري في مرضه الذي توفي فيه، زاره في المستشفى وما كانوا يُدخلون عليه أحداً لحراجة حاله، لكن لمّا رأت زوجة فارس الخوري والدي - وكانت تعرف ما بينهما – سمحت له بالدخول عليه لعلمها بأن ذلك يسرّه، وكان الخوري من الضعف إلى ما هو، فلما رأى والدي نظر إليه طويلاً وبكى، وبكى والدي لبكائه وخرج، ثم لم يلبث فارس الخوري أن توفي وشاع عند الناس بعد هذه الزيارة أنه أسلم وقتها، لكن والدي قال: ما سمعته نطق الشهادة.

انتهى ما حدثنيه الأستاذ عاصم، فعسى أن يكون فارس الخوري ممن خُتم له بخير.

5 - قال كارل بوبر (1902 - 1994م): "بدأ عملي في فلسفة العلم منذ خريف 1919 حينما كان أول صراع لي مع المشكلة: متى تصّنف النظرية على أنها نظرية علمية؟ أو هل هناك معيار يحدّد الطبيعة أو المنزلة العلمية لنظرية ما؟

لم تكن المسألة التي أقلقتني: متى تكون النظرية صادقة؟ ولا متى تكون النظرية مقبولة؟ كانت مشكلتي شيئاً مخالفاً .. إذْ أردت أن أميز بين العلم والعلم الزائف، وأنا على تمام الإدراك بأن العلم يخطئ كثيراً، وأن العلم الزائف قد يحدث أن تزلّ قدمه فوق الحقيقة". عن كتاب "فلسفة كارل بوبر" ليمنى الخولي، ص7.

قال كارل بوبر: "وأنا على تمام الإدراك بأن العلم يخطئ كثيراً"، هذا ما قاله أكبر فلاسفة العلم في النصف الثاني من القرن العشرين، فلا حاجة بنا إذن لتأليه هذا الذي يخطئ كثيراً "ذلك بأن الله هو الحق".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير