تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المذكور، فتساؤله عن المقصد الشرعي لغسل الميت، ودعواه أن العلماء ينظرون دائما إلى علة الحكم؛ لتكون أساس الاعتبار في الفتوى، فإن هذا الكلام ليس في محله ألبتة، فإنه من المعلوم أن الأحكام معللة، لكن معرفة علة كل حكم هذا ما لم يدعه أحد من العلماء، ولا جعلوه أساسا للفتوى بحال، بل إن بينهم اتفاقا على أن بعض الأحكام لا تعلم علتها، وهو ما يعبر عنه البعض بقولهم " العلة تعبدية " وأساس الفتوى لكل عالم هو الدليل، فمتى ثبت عنده الدليل عمل بمقتضاه؛ لأن الله تعالى يقول: سورة الحشر الآية 7 وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ويقول: سورة النور الآية 63 فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ويقول سبحانه: سورة النور الآية 51 إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا فأساس الفتوى هو الدليل، فإن علم مع ذلك علة الحكم بأحد الطرق المعروفة عند العلماء، إما بالنص، أو المفهوم، أو الإيماء ونحو ذلك، فإن لكل طريق درجة في الاعتبار يدركها أهل العلم.

ثم إن غسل الميت فيه حكم عظيمة، منها تكريم المسلم، والقيام بحقه من العناية بتغسيله وتطييبه وتحنيطه وتكفينه، ثم الصلاة عليه ودفنه، كل هذا إظهار لتكريمه؛ لأن حرمته ميتا كحرمته حيا، ولأن الله شرفه وأعزه بهذا الدين، فلما اعتنقه استحق هذا التكريم ونحو ذلك من الحكم، ومعلوم أن مثل هذه الحكم ليس لها تعلق بعصر دون عصر أو مكان دون مكان، بل هي عامة لكل مسلم في كل عصر أو مكان.

أما ما يتعلق بالفقرة (ب) من قول الكاتب " هذه الحادثة والفتوى هي التي جعلتني أغضب وأحزن معا؛ لأننا نضيق واسعا. . إلخ " فنقول كونك يضيق عطنك عن قبول الحق، ولا ينشرح صدرك لمقتضى الشريعة، هذا أمر يعود عليك، ولا يرجع على شرع ربنا بالبطلان أو التنقص، والواجب عليك توطين نفسك على الرضا بحكم الله ورسوله، وشرع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى سورة النساء الآية 65 فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا أما قوله: " لأننا نضيق واسعا لنا فيه من الشرع الحنيف سعة. . . " فنقول: لا شك أن شرعنا وديننا دين الحنيفية السمحة كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل أخبرنا الله - عز وجل - بأنه بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فينا، وامتن به علينا، وكان فيما امتن به أنه وضع به الأغلال والآصار التي كانت على من قبلنا فقال تعالى: سورة الأعراف الآية 157 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الآية.

ومعلوم أن في شرعنا من السعة والتيسير ما جعله صالحا لكل زمان ومكان، بل وللإنس والجان لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعث للثقلين الإنس والجن.

لكن هذه السعة ليست مطلقة يتعلق بها كل متعلق، بل شرع الله محدود بحدود، لا يجوز تعديها، يقول الله سبحانه وتعالى: سورة النساء الآية 14 وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله حد حدودا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها. . . . .

وعائشة - رضي الله عنها - تخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيح البخاري المناقب (3560)، صحيح مسلم الفضائل (2327)، سنن أبو داود الأدب (4785)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 130)، موطأ مالك الجامع (1671). بأنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه متفق عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير