ومثلهم من (يسرق) و (يأكل أموال الناس) و (يطعن في أنساب الناس) و (يهذر بالجهل في محاضراته وفتاواه) و (يتشبع بما لم يُعطَ) ما زكَّاه ولا خطَّ فيه حرفاً واحداً.
ومن الهوى المتبَّع في التزكيات: أنك ترى من يقدِّم (التزكية) العامة على الكلام المفسَّر! فترى – مثلاً – من يقدِّم كلام إمامٍ في (عدم معرفته) خطأً في مسألة عند المزكَّى مع وجود ذلك عند غيره ممن عرف ذلك بالتتبع والاستقراء وخاصة إذا علمتَ أن هذا المزكِّي ليس ممن يستمع للأشرطة ويتتبعها ولا من يقرأ كل كتبه!
ومثله من يقدِّم تزكية عامة على (فتوى) مفصلة في اعتقاد أحد مقدَّميهم وشيوخهم.
وما هذا إلا من اتباع الهوى واستغلال التزكيات أبشع استغلال لمواراة خطأ أو ستر عيبٍ ظهر للناس وعُلم أمره.
وفي المقابل نرى من يقول عمن عرف ردُّه لأحاديث الآحاد في العقيدة، وعمن عُرف عنه ألفاظ وكلمات سيئة التعبير في القرآن الكريم واستعانته بالموسيقيين والرسامين في بعض كتبه! ومن عرف عنه وجود الضعيف والموضوع في كتبه، ومن تأول آيات الصفات وغير ذلك من الأشياء، ثم يأتي من يزكِّي هذا على الإطلاق بأنه (إمام من أئمة الهدى والدِّين)! فهل تُقبل مثل هذه التزكية إلا كما تُقبل تزكية ابن معين في ذلك (الراوي)؟ فهل نعمي أعيننا ونصم آذاننا عن الحقائق التي نسمعها ونقرؤها لأجل تزكية؟ وهل يفعل هذا من فهم الدين وطلَّق التحزب والتعصب؟
ومثله ما نراه ونسمعه من تزكية من يطعن في أئمة الهدى ويضللهم – بل وأجزم لنفسي أنه يكفرهم –! ومن يرى مساجد المسلمين أنها مساجد ضرار! ومن يكفر الموظفين ورجال الأمن – ولا أدري هل يدخل رجال المطافئ في ذلك أو لا!! – ومن يكفر النواب ومن ينتخبهم، ثم يأتي هذا الإمام الشيخ ليزكي أمثال هؤلاء تزكية مطلقة، ويريدوننا أن نَعمى أو نُصم عما نقرؤه ونسمعه من حقائق لأجل تزكية من يعلم حقيقة الحال، والعجيب أن الذين ينشرون تزكية هؤلاء الأئمة والعلماء لا يقبلونها في غير شيوخهم ودعاتهم، فلو تكلَّم أحدٌ من شيوخهم عن بعض أئمة الهدى والدين وجئنا بتزكية من زكَّى شيخهم ما قبلوا ذلك منَّا، ثم يريدوننا أن نقبل تزكية الإمام الشيخ لمشايخهم ونسوِّقها لهم!
ومثله تزكية (بعض المفتين) الذين ملئوا الدنيا فتاوى تشمئز منها قلوب الموحدين وأحوال ترفضها أسماع أهل العفاف، فنزكية (المفتي) يعني أن تؤخذ عنه الفتوى بلا حرج، وتزكية العالِم أنه كذلك يعني أن يؤخذ عنه العلم، فحذار أن تكون هذه فيمن لا يستحق – وقد كان وللأسف -.
إن أمر التزكيات الذي نراه هذه الأيام ينبغي أن يكون له ضوابط وقواعد، فيمكنك أن تزكي إنساناً للزواج أو آخر للجيرة أو ثالث للتجارة معه، لكن لا يمكنك أن تزكي اعتقاده المفصَّل لأنه يدافع عن السنَّة، ولا يمكنك أن تزكي منهجه لأنه يحسن العامل مع أهله، ولا يمكنك أن توصي بطلب العلم عنده لأنه أمين في تجارته.
ولا يجوز لأحدٍ أن يزكي آخر في أمانةٍ أو خلق أو دين أو علم أو حسن اعتقاد إلا بعد أن يقف بنفسه على ذلك أو يشهد عنده الثقات العدول به، ولا يقاوم هذا بطبيعة الحال – لو حصل – ما قد يخالفه من الحقائق والبينات.
وعلى طالب التزكية أو الفرِح بها أن لا يكون سبباً في الطعن فيمن زكَّاه وعليه أن يكون عند حسن ظن من زكَّاه، لا أن تكون التزكية طريقاً للتوصل لأكل أموال الناس واستغفالهم والتشبع بما لم يُعطَ.
وعلى الناظر في التزكية أن لا يغتر بها بعد أن عرف كيف زكَّى الإمام مالك ويحيى بن معين أولئك الرواة.
ولا بدَّ من التفرقة بين التزكية العامة التي يراد منها مقصودها وبين التزكية العامة المراد منها تفاصيلها، فالأولى مقبولة والثانية مرفوضة إلا لمن اطَّلع حقيقة الاطلاع.
فهناك من يريد من التزكية الاطمئنان إلى إسلام صاحب التزكية ومنهم من يطلب أعلى من ذلك وهو كونه من أهل السنة، ومنهم من يطلب أعلى وأعلى وهو كونه على عقيدة السلف الصالح وأخلاقهم ومنهجهم.
فلا بدَّ من التفرقة بين هذا وذاك ووضع كل كلام في مكانه.
ولا بدَّ من التنبيه على أنه قد يكون المزكَّى على الجادة لكنه ينحرف بعدها – والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن – فلا قيمة بعدها للتزكية وهي تسقط بما فيها بسقوطه ولا كرامة.
وأمر آخر:
¥