4 - و مما يؤكد بطلان هذا الزعم أنه لا مانع في الإسلام من أن تبقى السلطة في البلاد العربية التي يحتلها الأجانب في يد هؤلاء الأجانب أنفسهم إذا ما أعلنوا إسلامهم كما حدث على عهد النبي صلى الله عليه و سلم بالنسبة لليمن العربية و كانت تحت احتلال الفرس، الأمر الذي يؤكد أنه لا دور للدافع القومي في حركة الجهاد و الفتح الإسلامي. (28)
الشبهة الرابعة:
أثار ايرفنج في كتاب أعده عن الرسول صلى الله عليه و سلم موضوع الجبرية و ادعى أن الرسول أصدر هذا القانون بعد هزيمة المسلمين في أحد و كثرة القتلى في صفوفهم و هو في إدعائه هذا غير صادق، قال إن الرسول اعتمد اعتمادا كبيرا على الجبرية، ضمانا لنجاح شئونه الحربية، و برر مذهبه بأن كل حادث يقع في الحياة قد سبق في علم الله و تقديره و كتب في لوح الخلد قبل أن يبدأ الله العالم، و قال أن المسلمين ءامنوا بهذا المنطق إيمانا بعيدا و أنهم خاضوا المعارك تحت تأثير هذا المنطق دون أن ينال منهم خوف، فما دام الموت في المعارك هو عدل الاستشهاد، فإن الثقة بالفوز في حالتي النصر أو الاستشهاد هي التي كانت تدفع بهم إلى المعارك دون تردد "
و ايرفنج فيما ادعاه مخطئ، ذلك أنه اعتبر الاستشهاد في سبيل الله هو الجبرية بذاتها، و هذا خلط و تشويه للحقيقة، و قد نسي هذا المدعي أن القرآن جعل من إرادة الإنسان و عمله مصدر مثوبته أو عقابه، و حاول أن يؤكد بهذا القانون أن الإسلام دين تواكل و قعود و هذا مخالف لصريح القرآن، قال تعالى " قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من أضل فإنما يضل عليها ".
و هذه الآية و غيرها تحث الناس و تدعوهم إلى السعي و التفكير و العمل و البذل و الجهد و لا تدعو إلى القعود و التواكل كما يدعي المستشرق ايرفنج.
و لقد منحنا الله تعالى العقل لنميز به الخير من الشر قال تعالى " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره " و قال تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "
كيف لنا إذن أن نتصور أنه في ظل هذا القانون الذي يدعو إلى الكسل و التواكل، قد اندفع المسلمون الأوائل إلى التضحية بالنفس و النفيس من أجل إعلان كلمة لا إله إلا الله. (29)
من هنا ندرك خطر تفسير المستشرقين لدوافع الجهاد عند المسلمين
و قد لخصت فيما يلي:
1 - قاسوا المعارك الإسلامية بمقاييس مادية بحتة.
2 - التركيز على المعارك و إهمال الجانب الخلقي للحضارة الإسلامية و كأنه تاريخ غزوات و حروب.
3 - التوسع العربي و كأن الفتوحات الإسلامية توسعات استعمارية مع وجود الفوارق بين هذه و تلك.
و الواقع أن التفسير الإسلامي للتاريخ هو وحده القادر على طرح المفهوم الأصيل لهذا الانتشار العظيم للإسلام، فإن أمره فريد عجيب، لأن المسلمين لم يكونوا من الكثرة العددية و لا من قوة العدة و السلاح و لا من حيث استيعاب الفنون العسكرية و لا من حيث حضارة العالم و العلم و المدنية بهذه المثابة.
غير أن التفسير الصحيح و السليم أن سرعة انتشار الإسلام إنما ترجع إلى أنه كان أفضل نظام اجتماعي و سياسي تمخضت عنه العصور، و أن سعادته ترجع إلى أنه وجد في كل مكان ذهب إليه أمما استولى عليها الخمول و نشأ فيها النهب و العسف، فلما جاءها الإسلام لم يجد إلا حكومات مستعبدة مستأثرة متقطعة الروابط بينها و بين رعاياها.
و كان نظام رأس المال في الامبراطورية الرومانية مبنيا على الاسترقاق، و كانت الآداب و الثقافة الاجتماعية آخذة في الانحلال – بل كانت منحة لأنها تمجد الفحش و تكافئ على البطولة بالفواحش – و من ثم وجدت جماهير الأمم في الإسلام منقذا و محررا، ذلك لأنه أقام العدل، و لكنه لم يفرض عقيدته بل ترك الناس يدخلون فيه باختيارهم، و قد دخلوا في هذا الدين حين تبين لهم صدق الداعين إليه. (30)
أسأل الله تعالى أن يعيد لهذه الأمة مجدها و عزها .. و أن يهيئ لها خلافة راشدة تحكم بشريعة الله تعالى وحده، و تعلي راية الجهاد و الحق ..
اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم و سدد رميهم
و قوي شوكتهم و أيدهم بجنود من عندك و ألحقنا بهم ...
اللهم من أراد بهم كيدا فرده في نحره، و أشغله في نفسه ..
آمين آمين آمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
¥