و من الشبه التي يلقيها المغرضون و المستشرقون أن قسوة الحياة المادية و الاقتصادية هي التي دفعتهم إلى التطلع إلى ما في البلاد التي فتحوها من موارد اقتصادية. و هذا ادعاء باطل، لأنه لو صح لاقتصر المسلمون على فتح البلاد الخصبة الغنية التي حولهم و لما ذهبت جيوشهم و قبائلهم الزاحفة إلى البلاد الفقيرة الشحيحة النائية عن مواطنهم و لكن الحقيقة هي أنهم كانوا يهدفون أساسا إلى نشر كلمة الله تبارك و تعالى و رسالته إلى الناس كافة و في كل مكان، مهما احتملوا في سبيل ذلك من العسر و المشقة. و لو كان لهذا التفسير المادي أي ظل من الحقيقة لأسرع الخلفاء الراشدون الأولون الموجهون لتلك الفتوح إلى نقل مقار سلطانهم و حكومتهم من مكة و المدينة و صحراء الجزيرة العربية إلى غيرها من البلاد المفتوحة. (22)
و قد حذر الله تعالى المؤمنين من ما يشوب روح الجهاد و أصله، قال تعالى:
" يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة " (النساء:94)
- ادعى مارجوليوت أن غزوات الرسول صلى الله عليه و سلم كانت للسلب و النهب، و هذا ادعاء رخيص فقد ذكر في كتابه " محمد و شروق الإسلام ": " قد عاش محمد هذه السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على السلب و النهب، ولكن نهب أهل مكة قد يبرره طرده من بلده و مسقط رأسه و ضياع أملاكه، و كذلك بالنسبة إلى القبائل اليهودية في المدينة فقد كان هناك على أية حال سبب ما حقيقيا كان أو مصطنعا يدعو إلى الانتقام منهم "
إن أهل خيبر طلبوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلح بعد قتال مرير فأجابهم إلى طلبهم، و قد تناس هذا المدعي ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذ بن جبل حين وجهه إلى خيبر بأن لا يفتن اليهود عن يهوديتهم. (23)
- و قال كارل بروكلمان " حاول النبي أن يعوض من فشله الظاهري في الحديبية، فقاد المسلمين في حملة على المستعمرة اليهودية الغنية في خيبر "
يقول شوقي أبو خليل: عجيب غريب أتراه لا يعلم أن وفد اليهود برئاسة حيي بن أخطب جعل لغطفان تحريضا على الخروج لقتال المسلمين، نصف تمر خيبر كل عام؟!! (24)
إن الدافع الاقتصادي بالنسبة للمسلمين ليس إلا ثمرة من ثمرات الجهاد، تمثل مظهرا من مظاهر نصرة الإسلام فتكون الثمرة مرغوبة بهذا الاعتبار، بدون أن تتعلق بها النفس تعلقا يشغلها عن الدافع الحقيقي من وراء الجهاد. و يشهد لذلك: (25)
- قول عبادة بن الصامت للمقوقس " و ليس غزونا عدوا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا، و لا حاجة للاستكثار منها، إلا أن الله عز و جل قد أحل ذلك لنا، و جعل ما غنمنا من ذلك حلالا "
- و كذا قول وفد المسلمين لرستم قبيل القادسية " و الله، لإسلامكم أحب إلينا من غنائمكم "
و قد قرر الدكتور محمد هيكل حقيقة مهمة، حيث قال: (26)
" هناك فرق بين الدافع نحو شيء ما، و بين الاستفادة من هذا الشيء الذي أوجده ذلك الدافع، في سبيل تحقيق أغراض أخرى.
فالشي الذي يدفع الناس إليه هو الجهاد.و الدافع نحو الجهاد هو نشر الدعوة الإسلامية و تطبيق النظام الإسلامي،
والأغراض المشروعة التي يمكن أن تستفاد من الجهاد كثيرة منها:تحقيق منافع اقتصادية "
فينبغي التفريق بين الدافع للجهاد و بين المصالح المستفادة من الجهاد.
الشبهة الثالثة:
القول بأن الجهاد إنما كان دافعه هو استرداد الأراضي العربية و تحريرها من احتلال الفرس و الروم لها، و يسمى بالدافع التحريري.
إن أصحاب القول بهذا الدافع فيما يبدو كانوا من حيث يشعرون أو لا يشعرون متأثرين بالمفاهيم القومية الحديثة في تفسير حركة الجهاد و الفتح الإسلامي. (27)
و من الأمور التي تنقض هذا الدافع:
أن المسلمين لم يقفوا عند حدود البلاد العربية التي حرروها من حكم الروم أو الفرس كأطراف العراق و الشام بل تجاوزوا ذلك حتى أخضعوا بلاد فارس كلها للحكم الإسلامي.
2 - أن بلاد مصر و الشمال الإفريقي لم تكن من البلاد العربية حتى يقال إن تخليصها من سيطرة الروم إنما هو تحرير للبلاد العربية من احتلال الأجانب لها.
3 - أنه بعد تحرير المسلمين للأراضي العربية التي كان يحتلها الأجانب لم يكونوا يقومون بطرد هؤلاء الأجانب من البلاد.
¥