تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا المعنى الذي ذكره جل وعلا هنا في هذه الآية الكريمة: من كونه أمر نبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن يلقي ما في يمينه أي يده اليمنى، وهو عصاه فإذا هي تبتلع ما يأفكون من الحبال والعصي التي خيلوا إليه أنها تسعى ـ أوضحه في غير هذا الموضع، كقوله في «الأعراف»: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَى? مُوسَى? أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَفَوَقَعَ ?لْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَفَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَ?نقَلَبُواْ صَـ?غِرِينَ}، وقوله تعالى في «الشعراء»: {فَأَلْقَى? مُوسَى? عَصَـ?هُ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} فذكر العصا في «الأعراف، والشعراء» يوضح أن المراد بما في يمينه في «طه» أنه عصاه كما لا يخفى. وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {مَا يَأْفِكُونَ} أي يختلقونه ويفترونه من الكذب، وهو زعمهم أن الحبال والعصي تسعى حقيقة، وأصله من قولهم: أفكه عن شيء يأفكه عنه (من باب ضرب): إذا صرفه عنه وقلبه. فأصل الأفك بالفتح القلب والصرف عن الشيء. ومنه قيل لقرى قوم لوط {وَ?لْمُؤْتَفِكَـ?تِ}. لأن الله أفكها أي قلبها. كما قال تعالى: {فَجَعَلْنَا عَـ?لِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا}. ومنه قوله تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي يصرف عنه من صرف، وقوله: {قَالُو?اْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا} أي لتصرفنا عن عبادتها، وقول عمرو بن أذينة: إن تك عن أحسن المروءة مأ فوكا ففي آخرين قد أفكوا

وأكثر استعمال هذه المادة في الكذب. لأنه صرف وقلب للأمر عن حقيقته بالكذب والافتراء. كما قال تعالى:

{وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}، وقال تعالى: {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} «ما» موصولة وهي اسم «إن»، و «كيد» خبرها، والعائد إلى الموصول محذوف. على حد قوله في الخلاصة: ... ... والحذف عندهم كثير منجلي

في عائد متصل إن انتصب بفعل أو وصف كمن نرجو يهب

والتقدير: إن الذي صنعوه كيد ساحر. وأما على قراءة من قرأ {كَيْدُ سَاحِرٍ} بالنصب فـ «ما» كافة و «كيد» مفعول «صنعوا» وليست سبعية، وعلى قراءة حمزة والكسائي «كيد سحر» بكسر السين وسكون الحاء، فالظاهر أن الإضافة بيانية. لأن الكيد المضاف إلى السحر هو المراد بالسحر. وقد بسطنا الكلام في نحو ذلك في غير هذا الموضع. والكيد: هو المكر. قوله تعالى: {وَلاَ يُفْلِحُ ?لسَّـ?حِرُ حَيْثُ أَتَى?}. وقد قدمنا في سورة «بني إسرائيل» أن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم. لأنه ينحل عند بعض أهل العلم عن مصدر وزمان، وعند بعضهم عن مصدر وزمان ونسبة. فالمصدر كامن في مفهومه إجماعاً، وهذا المصدر الكاهن في مفهوم الفعل في حكم النكرة فيرجع ذلك إلى النكرة في سياق النفي وهي صيغة عموم عند الجمهور. فظهر أن الفعل في سياق النفي من صيغ العموم، وكذلك الفعل في سياق الشرط. لأن النكرة في سياق الشرط أيضاً صيغة عموم. وأكثر أهل العلم على ما ذكرنا من أن الفعل في سياق النفي أو الشرط من صيغ العموم، خلافاً لبعضهم فيما إذا لم يؤكد الفعل المذكور بمصدر. فإن أكد به فهو صيغة عموم بلا خلاف، كما أشار إلى ذلك في مراقي السعود بقوله عاطفاً على صيغ العموم:

ونحو لا شربت أو إن شربا واتفقوا إن مصدر قد جلبا

والتحقيق في هذه المسألة: أنها لا تختص بالفعل المتعدي دون اللازم، خلافاً لمن زعم ذلك، وأنه لا فرق بين التأكيد بالمصدر وعدمه. لإجماع النحاة على أن ذكر المصدر بعد الفعل تأكيد للفعل، والتأكيد لا ينشأ به حكم، بل هو مطلق تقوية لشيء ثابت قبل ذلك كما هو معروف. وخلاف العلماء في عموم الفعل المذكور هل هو بدلالة المطابقة أو الالتزام ـ معروف. وإذا علمت ذلك ـ فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلاَ يُفْلِحُ ?لسَّـ?حِرُ} ـ يعم نفي جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم في الأمكنة بقوله: {حَيْثُ أَتَى?} وذلك دليل على كفره. لأن الفلاح لا ينفي بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه وهو الكافر. ويدل على ما ذكرنا أمران:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير