ومن أمثلة القسم الثالث:
وهو أن يغفل المطلوب ويستبدل منه آخر أجنبياً عنه فيكون النص في واد والتخريج أو التعليق في واد آخر:
[1]-ص142 - 143 ذكر شيخ الإسلام حديث ابن مسعود:)) إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام ((فقال عقبه: وروي نحوه عن أبي هريرة، ثم قال: فهذا فيه أن سلام البعيد تبلّغه الملائكة.
قال الشيخ ربيع في تعليقه في الحاشية ما نصه:)) لم أجد الحديث المشار إليه، وأخشى أن يكون ذهب ذهن شيخ الإسلام إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: إن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلاً عن كُتَّاب الناس، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء الدنيا، فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك ... الحديث. رواه الإمام أحمد .. والترمذي ... والدارمي ((.
قال سمير: لا أدري مم أعجب، أمن سوء فهم الشيخ ربيع لكلام الإمام ابن تيمية، أم من تقصيره في عزو الحديث الذي ظنه هو المقصود؟
فشيخ الإسلام أورد حديث ابن مسعود في تبليغ السلام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبره، وقال:)) روي نحوه عن أبي هريرة ((ولا يحتمل أبداً أنه يعني حديث أبي هريرة في فضل مجالس الذكر، كما زعم الشيخ ربيع، فالنص في واد، وتخريجه في واد آخر:
شتان بين مشرق ومغرب سارت مشرقة وسرت مغرباً
وتعجب من قوله مع سوء فهمه:)) وأخشى أن يكون ذهب ذهن شيخ الإسلام إلى حديث أبي هريرة ((، والحق أن الذي ذهب ذهنه وعجل ولم يتريث، هو الشيخ ربيع، لا شيخ الإسلام.
ولو أن الشيخ فكر ملياً، وصبر قليلاً، لوجد في الصفحة التالية من الكتاب حديثين عن أبي هريرة كلاهما يدل على نحو ما دل عليه حديث ابن مسعود المذكور.
أولهما: حديث)) ... وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ((رواه أبو داود، وهو حديث حسن أو صحيح.
والثاني: حديث)) من صلى عليّ عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً أبلغته ((وهو حديث باطل.
فهذان الحديثان كلاهما يدل على تبليغ الملائكة صلاة المصلين على الرسول -صلى الله عليه وسلم.
والأمر الآخر العجيب أيضاً هو تقصيره في تخريج الحديث الذي ظنه المقصود، إذ عزاه إلى أحمد والترمذي والدارمي، مع أن الحديث في الصحيحين، البخاري [11/ 208] ومسلم [2689].
[2]-ص 167،168 ذكر شيخ الإسلام حديث عمر الذي فيه توسل آدم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وعزاه إلى الشريعة للآجري، ثم قال: ورواه الآجري أيضاً من طريق آخر من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه موقوفاً عليه، وقال: حدثنا هارون بن يوسف التاجر حدثنا أبو مروان العثماني حدثني أبو عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال:)) من الكلمات التي تاب الله بها على آدم ... ((الخ.
فعزاه الشيخ ربيع في الحاشية إلى الشريعة للآجري ص426، وساق الرواية هكذا [قال (أي الآجري): حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا أبو الحارث الفهري قال أخبرني سعيد بن عمرو قال: حدثنا أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن إسماعيل بن بنت أبي مريم قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:)) لما أذنب آدم عليه السلام ((.
ورواه البيهقي في دلائل النبوة [5/ 488،489] من طريق عبد الله بن مسلم الفهري عن إسماعيل بن مسلمة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر موقوفاً. وعبد الله بن مسلم الفهري هو أبو الحارث، وأظن أنه حصل في إسناد الآجري سقط وتحريف] انتهى كلام الشيخ ربيع.
قال سمير: وهذا غلط بين، سببه عجلة الشيخ، غفر الله له، وتسرعه.
فشيخ الإسلام عزا إلى الشريعة رواية أسندها برجالها، والشيخ ربيع خرج رواية أخرى أجنبية عنها تماماً.
ولو تأنى الشيخ وتريث، وقلب صفحات "الشريعة" إلى الوراء قليلاً، قدر أربع صفحات، لوجد الرواية التي عناها ابن تيمية.
ففي "الشريعة" ص422، قال الآجري: أخبرنا أبو أحمد هارون بن يوسف بن زياد التاجر، قال: حدثنا أبو مروان العثماني قال: حدثني ابن عثمان بن خالد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: من الكلمات التي تاب الله عز وجل بها على آدم عليه السلام أنه قال ... فذكر نحو ما ذكره ابن تيمية.
¥