[كتاب " إجماع المحدثين للشريف العوني " (قراءة نقدية).]
ـ[النقّاد]ــــــــ[27 - 05 - 02, 06:03 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الخِل الوفيّ .. أبي معاذ .. أشعر الله قلبك حُبَّ الحق، وأودع صدرك برد اليقين!
فقد سألتني – أعزّك الله بطاعته – أن أنظر في كتابٍ ألّفه عصريُّنا المحدّث الناقد الشريفُ أبو محمد حاتم بن عارف العوني – حرس الله مهجته -، وسَمَه بـ (إجماع المحدّثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرَيْن) ورغبت إليّ أن أزيل عنك الحيرة في أمره، وأفْسِر لك وجه الصواب فيه.
فقد قرأتُ الكتاب كما قرأتَ، وأطلت النظر فيه وأنعمتُه، وأعدتُه وأبديْتُه؛ لا عجزاً منّي عن فهم دقيق مباحثه فأنت تعلم قِدْمَ اشتغالي بهذه الصناعة، وربّما بصري بها.
ولا استغلاقاً في عبارة الكتاب، فإنها في المحلّ الذي تعلم من الوضوح والبيان.
ولكنْ .. لأني قد رأيتُ فيه شيئاً لم آلفه في تآليف أهل عصرنا!
وأبصرتُ فيه أمراً تخطئه عيناي إذا ما طلبته في كتب أهل زماننا!
وشممْت منه رائحة السِّراج وظُلمة الليل وطول السَّهرِ، وكدتُ أبصر حبّاتِ العرق , وما بُذِل في سبيل هذا البحث الحُرّ من العناء والنّصَب!
وعلمتُ كم أنعم الله على هذه الأمّة حين أبقى لها – وقد تولى زمن الكبار – من يُحْسِنُ هذا العلم بهذا البيان!
ولا تعجل عليّ أيها الصديق (التلميذ) .. فما أردتُ بهذا أن أُلقي إليك حكمي مُجرَّداً عن برهانه لتتقلّده! وقد تقدم منّي إليك وإلى إخوتك – بُلِّغوا المُنَى – النَّهْيُ عن هذه الخُطة الخَسْف!
بل سأكون دليلاً لك فحسْب – لتنتفع بنعم الله عليك، فلا تنظر بغير عينيك، ولا تفكر بغير عقلك - , أُوقفك على الجادّة، وآخذ بيدك لأضعها على مواطن القوّة والإبداع – في نظري – في هذا الكتاب الذي رُمْتَ معرفة رأيي فيه، لترى أنت رأيك، وتنظر لنفسك.
وأنت بَعْدُ وما رأيتَ وما نظرتَ!
وما أُراني بهذا إلاّ قد أنصفتُ!
وقبل أنْ أَلِجَ بك إلى تفصيل ما وعدتُ به أُقدّم بين يدي ذلك بمقدّمةٍ سبق أن حدّثتك بها.
(ولولا أنك قد رغبت إليّ – أحسن الله إليك – أن أنْشُر جوابي في هذا الملتقى؛ لينظر فيه الفَوَقَة من أهل العلم وطلابه فيروا فيه رأيهم = لكان فيما قد ذكرتُ لك قبلُ غنىً عن أنْ أُسْئِمك بإعادة بعضه).
وقف الناس من هذا الكتاب مواقف مختلفة لأغراضٍ شتى، لن أجد أبلغ في وصفها وتصويرها من كلام الإمام الحجّة الثقة أبي محمد بن قتيبة (ت: 276) حين قال في فاتحة أحد كتبه:
" وسيوافق قولي هذا من الناسِ ثلاثة:
رجلاً منقاداً سمع قوماً يقولون، فقال كما قالوا، فهو لا يرعوي ولا يرجع؛ لأنه لم يعتقد الأمر بنظر فيرجع عنه بنظر!.
ورجلاً تطمح به عزّة الرياسة وطاعة الإخوان وحبُّ الشهرة، فليس يردُّ عزّته ولا يثني عنانه إلاّ الذي خلقه إن شاء!؛ لأنّ في رجوعه إقراره بالغلط واعترافُه بالجهل، وتأبى عليه الأَنَفَة!!
وفي ذلك – أيضاً – تشتُّتُ جمعٍ وانقطاعُ نظامٍ واختلافُ إخوانٍ عَقَدَتْهُم له النِّحلة، والنفوسُ لا تطيب بذلك إلا من عصمه الله ونجّاه!!
ورجلاً مسترشداً يريد الله بعمله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا تدخله مِنْ مُفارقٍ وحشة، ولا تلْفِتُه عن الحقِّ أنَفَة، فإلى هذا بالقول قصدنا وإياه أردنا ".
وأزيدُ أنّ هذا الكتاب لا يصلح ولا ينبغي أن يقرأه إلاّ مَنْ جمع خلالاً أربع؛ لئن كان أبو حامد الغزّالي قد ذكرها في أحد تصانيفه، إلاّ أنني أراها أصدق ما تكون في هذا الكتاب.
قال: " الشريطة الأولى: كمال آلة الدّرك، من وُفور العقل، وصفاء الذهن، وصحّة الغريزة، واتّقاد القريحة، وحدة الخاطر، وجودة الذكاء والفطنة.
الشريطة الثانية: استكداد الفهم، والاقتراح على القريحة، واستثمار العقل بتحديق بصيرته إلى صواب الغوامض = بطول التأمّل، وإمعان النظر، والمواظبة على المراجعة، والمثابرة على المطالعة، والاستعانة بالخلوة، وفراغ البال، والاعتزال عن مزدحم الأشغال.
¥