[تخريج حديث الطبراني الذي يستدل به الصوفية على جواز التوسل بالأموات]
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[30 - 06 - 02, 09:48 ص]ـ
أخرج الطبراني في في المعجم الكبير (9\ 30): «حدثنا طاهر بن عيسى بن قيرس المصري المقرىء ثنا أصبغ بن الفرج ثنا بن وهب عن أبي سعيد المكي (شبيب بن سعيد، صدوق يغرب) عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني (عمير بن يزيد) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف» ... ثم سرد قصة طويلة في جواز التوسل برسول الله (ص) بعد موته.
ثم قال الطبراني: «حدثنا إدريس بن جعفر العطار ثنا عثمان بن عمر بن فارس ثنا شعبة عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف عن النبي (ص)، نحوه».
وسرد هذا في المعجم الصغير (1\ 306) (وهو كتاب مخصص أصلاً لبيان التفرد في الحديث)، ثم قال: «لم يروه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة. وهو الذي يحدث عن بن أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأبلي. وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد وهو ثقة. تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة. والحديث صحيح. وروى هذا الحديث عون بن عمارة عن روح بن القاسم عن محمد بن النكدر عن جابر رضي الله عنه. وَهِمَ فيه عون بن عمارة. والصواب حديث شبيب بن سعيد». قلت: عون بن عمارة، كان ضعيفاً. ذكره ابن حبان في المجروحين (2\ 197) ثم ذكر له هذا الحديث.
هذا حديثٌ باطلٌ بلا ريب (أي بهذه الصيغة مع القصة). فأول علامات بطلانه أن لا تجده في الصحيحين ولا تجده في السنن ولا في تجده في مسند أحمد. فهذه علامة نكارة شديدة فيه. ثم تنظر فتجده مروياً في معجم الطبراني الصغير وهو المخصص لبيان الروايات التي فيها تفرد. وهذا الحديث له طريقين: الطريق الأول لم يروه إلا ابن وهب عن شبيب بن سعيد عن روح عن الخطمي عن أبي أمامة عن ابن حنيف.
شبيب بن سعيد هذا قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (3\ 361): «صدوقٌ يُغرِب». وقال عنه ابن عدي في الكامل (4\ 31): «يُحَدّث عنه ابن وهب بالمناكير». وقال ابن المديني قريباً من هذا. ثم قال ابن عدي: «ولعل شبيب بمصر في تجارته إليها كتب عنه ابن وهب من حفظه، فيغلط ويهِم. وأرجو أن لا يتعمد شبيب هذا الكذب». وكانت رواية ابنه عنه من كتابه لا من حفظه، فإنه سيئ الحفظ. ولذلك قال ابن حجر في تقريب التهذيب (1\ 263): «لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب».
الطريق الثاني: تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة عن الخطمي عن أبي أمامة عن ابن حنيف. فهل يُعقل أن حديثاً عند قتادة لا يروه أحدٌ من أصحابه إلا عثمان، ثم لا يسمع أحدٌ من الأئمة (الحريصين على جمع حديث شعبة) هذا الحديث إلا الطبراني نقلاً عن شيخ متهم؟ فهذا من أعظم الأدلة على وضعه. والحديث طبعاً موجود عندهم لكن القصة التي معه غير موجودة. وهذا دليلٌ على وضعها. ولكن الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن شعبة كان فيه عمارة بن خزيمة بن ثابت بدلاً من أبي أمامة. فهذا دليلٌ على أن السند تمت سرقته. ثم ننظر لحال إدريس بن جعفر العطار، فإذا هو ضعيف متهمٌ بالكذب. قال عنه الدراقطني (كما في سؤالات الحاكم ص106): «متروك»! وذكر له الذهبي في ميزان الاعتدال (1\ 317)، حديثاً وَضَعَه. وتبعه ابن حجر في لسان الميزان (1\ 332).
سنن الترمذي (5\ 569): حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (ص) فقال: «ادع الله أن يعافيني». قال: «إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك». قال: «فادعه». قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الدفع، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي. اللهم فشفعه في». قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي. وعثمان بن حنيف هو أخو سهل بن حنيف».
وهذا حديثٌ فيه بعض الاضطراب. وقد أشار البخاري في تاريخه الكبير (6\ 209) إلى بعض الاختلاف على هذا الحديث. ورجح النسائي في السنن الكبرى (6\ 169) رواية هشام الدستوائي وروح بن القاسم، على رواية شعبة.
وإجمالاً فالحديث صححه بعض الحفاظ. ولذلك فإن الطبراني في معجمه الصغير، بعد أن أعلّ سندي القصة بالتفرد، قال: «والحديث صحيح». أي وأصل الحديث صحيح، وقد أخرجه الترمذي وغيره من أسانيد مختلفة. ولذلك فإن الحديث المرفوع صحيح، ولكن القصة التي أخرجها الطبراني موضوعة لا تصح. ولا يصح أي دليل على جواز التوسل بالرسول (ص) بعد وفاته. ويكفيك أن الصحابة –كما في صحيح البخاري– لما أجدبوا توسّلوا بالعباس (ر) ولم يتوسلوا برسول الله (ص). فهذا إجماعٌ من الصحابة كلهم على بطلان التوسل بغير الأحياء.
¥