ويؤيّده – أيضاً – أنه اشترط أن يكون ذلك ممن لم يشتهر بالتدليس، فمفهومه أن المدلس لا تقبل منه (عن) , ولاتفيد - إذا صدرت منه - معناها العرفيّ المذكور آنفاً. وهذا يؤكّد أن حديثه كان عن قيام (عن) مقام التصريح بالتحديث في كل حديث.
وأمّا الموضع الثاني (2/ 456 - 457) فإنه يتحدث فيه عن الانقطاع (الإرسال)، وأنّ (عن) لا تكفي وحدها لإثبات الاتصال، وأنه لا يزول الانقطاع إلاّ بالتصريح بالسماع، أو بـ (عن) مع طول الصحبة؛ لأن الحنفية احتجوا على قبول المراسيل بقبول المحدثين للعنعنة (يعني في الموضع الأوّل على ما شرحنا)، فردّ عليهم السمعاني بأنّ العنعنة لا تكفي لإثبات الاتصال (ولا تفيد الاتصال) إلاّ مع طول الصحبة.
أمّا حقيقتها العرفية التي تفيدها، فإنّما هي في مَنْ ثبت له الاتصال، وهو ما سبق أن بيّنه.
ولا يقدح رأي السمعاني هذا في الإجماع الذي نقله مسلم (كما تخوّفه المؤلف في ص 32) لأن مسلماً توفّي قبل السمعاني بقرون.
وهو إنما حكى إجماع المحدثين الذين عاصرهم والذين تقدّموه، لا من سيأتي بعده في القرن الخامس! وليس من نقّاد الحديث!!
والسمعاني لم يقل: إنّ ما ذهب إليه هو مذهب أئمة الحديث، ولا يُسْتَبْعَد أن يكون اختياراً له، بل هو كذلك.
وما أكثر اجتهادات المتأخرين التي خالفوا بها من تقدم من نقاد الحديث. والله أعلم.
أيها الأخ الصّديق:
إن كنتُ أعجب من شيءٍ .. فمِن صَبْرِ المؤلّفِ على كبح جماح قلمه عن الإفاضة في هذا البحثِ , وإشباعِه، وتقصّي القول فيه!
وكيف استطاع أن يبني كتابه على الاختصار، والحالُ أنه رائد طريقٍ لم تُسلَك، وناهجُ منهجٍ لم يُعبَّد، وقد توافرت عنده المادة، واستمسك القلم في يده؟!
(وقد ذكر الطاهر بن عاشور في هذا المعنى كلاماً حسناً في مقدمة (التحرير والتنوير) فاكْشِفْه منه، فإن الكلالَ قد أدركني فلا أراني أنشط لنقله).
لكنّي أحسب أن المؤلّف قد استبقى عنده ما يُعِدُّه لحلائب المناظرة، وميادين النقاش!
ولقد رأيتُه وَضَع في بحثه شِراكاً , إنّي لمُشْفِقٌ على من سيقع فيها وهو يظن أنه قد ظفر بما ينصرُه!
لكنْ .. إلى متى ولمّا يبْرُز إلى الميدان أحد!!
ولستُ أزالُ أسمع من هاهنا وهاهنالك جعجعة ولكنّي لا أرى طِحناً!
واعلم أيها الأخ الموفّق أنه لا يمكن نقض هذا القول إلا بالردّ على جميع أدلّته، وإن سلامة دليلٍ واحدٍ ليعني سلامة طريقٍ موصلٍ إلى المطلوب بيقين!
فلا يستقيم القول ببطلان هذا القول مع بقاء أدلّته، بل مع بقاء دليلٍ واحدٍ له.
وآخر ما أودُّ أن أقوله لك أيُّها المُحبّ:
لا تحاول أن تقرأ ما بين السطور؛ لتستشرف أمراً مغيَّباً عنك، من مكنون النوايا والمقاصد، فِعْلَ من رقَّتْ ديانتُه، وهانت عليه نفسه – من أبناء هذا الزمان -.
فإني مُشفِقٌ – والله – عليك من التّبعة!
وعلى عينيك من النَّصَب .. فلن ترَ إلا بياضاً!! فارحم يا أخي مُقْلَتيْك.
فخذ ما ظهر، ودَعْ ما خفي لمن يعلم السرّ وأخفى!
وكتب:
أخوك النَّقّاد
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[27 - 05 - 02, 08:10 م]ـ
أحسن الله إليك أخي النقّاد.
استوقفني شيء في عنوان كتاب الشيخ الشريف الذي لم يقدّر لي أن أقرأه بعد.
هل مكمنُ الإشكال يقع في اشتراط السماع (كما يوحي عنوان الكتاب)، أم في اشتراط ثبوت السماع؟
الذي أعرفه هو أنّ الجميع يشترطون السماع، وأنّ الكلام في اشتراط ثبوته ولو بمرة واحدة.
ـ[النقّاد]ــــــــ[27 - 05 - 02, 11:40 م]ـ
أخي هيثم. . لازلت موفقاً لكل خير.
توقفك في محله , وهو يدل على قريحة متقدةٍ أرجو أن تنال من عنايتك ما هي
خليقة به.
وقد قال القرافي: " معرفة الإشكال علم قائم بنفسه "!.
ثم. . إنك قد نبهتني إلى أنني كنت قد أخطأت حين نقلت عنوان الكتاب ,
فقلتُ: " اشتراط السماع " , والصواب " اشتراط العلم بالسماع ".
ومع هذا فلايزال الإشكال قائماً!
وقد تكفل المؤلف بالجواب عنه في كتابه (ص: 27) , وبين أن في هذا التعبير
تسمحاً وتجوّزاً , دعى العلماءَ إليه الاختصارُ , وعدم خفاء المعنى المقصود (عند
ذوي الاختصاص).
ذلك أن الشيخين كليهما - في الحقيقة - يشترطان العلم بالسماع؛ لأن هذا هو
مقتضى شرط الاتصال الذي يتفق الشيخان عليه.
وإنما يظهر الفرق بين المذهب (المنسوب إلى البخاري) ومذهب مسلم = في
وسيلة العلم بالسماع , لافي العلم بالسماع المتفق عليه.
فالبخاري (في الشرط المنسوب إليه) لايعلم بالسماع حتى يقف على نص صريح
يدل عليه , ومسلم لا يعلم بالسماع إلا بالشروط الثلاثة التي ذكرها في مقدمة
صحيحه.
أسال الله أن ييسر لك قراءة هذا السِّفر الجليل , وأن ينفعك بما فيه.
ـ[أبو عمر العتيبي]ــــــــ[28 - 05 - 02, 11:32 ص]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد قرأت كتاب الشريف حاتم المذكور فألفيته كتابا قيما نفيساً في بابه.
ولقد أعجبني جداً.
جزاه الله خيرا وبارك فيه.
¥