تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المعروف أن الزيدية قد أخذوا عقيدتهم من المعتزلة. وفي كتاب "العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء و المشايخ" للمقبلي اليمني: «قال السيد الهادي بن إبراهيم الوزير [29] –و هو من أشد الناس شكيمة في نصرة مذهب الزيدية و التعصب لهم، و الرد على مخالفيهم–، فقال فيهم و في المعتزلة: "و إنهما فرقة واحدة في التحقيق إذا لم يختلفوا فيما يوجب الإكفار و التفسيق". ذكر هذا في خطبة منظومته التي سماها "رياض الأبصار" عدد فيها أئمة الزيدية و علماءها و علماء المعتزلة متوسلاً بهم. فذكر الأئمة الدعاة من الزيدية، ثم علماء المعتزلة، ثم علماء الزيدية من أهل البيت، ثم من شيعهم. و اعتذر عن تقديم المعتزلة على الزيدية بما لفظه: "و أما المعتزلة فقد ذكرت بعض أكابرهم، و كراسي منابرهم (قلت: يقال للعلماء، الكراسي) إذ هم الأعداد الكثيرة، و الطبقات الشهيرة. و رأيت تقديمهم على الزيدية لأنهم سادتها و علمائها. فألحقت سمطهم بسمط الأئمة و ذلك لتقدمهم في الرتبات، و لأنهم مشايخ سادتنا و علمائنا القادات"».

فإذا علمت هذا، لما استغربت دفاع ابن الوزير الشديد عن المعتزلة والشيعة، وإنكاره لحديث تفرق الأمم الصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول، لأنه يطعن بقوة بالمعتزلة والشيعة. ولا يختلف أحد بأن ابن الوزير ليس من علماء الحديث باعترافه نفسه [30]، ولذلك لم يطعن بالحديث من جهة سنده بل طعن فيه برأيه ومزاجه الشخصي. ولهذا نقول أن شهادة ابن الوزير مردودة غير مقبولة: لأنه شيعي متعزلي، ولأنه ليس من علماء الحديث، ولأنه ليس له سلف من المتقدمين. وقد حاول الطعن حديث معاوية t الذي فيه «وواحدة في الجنة وهي الجماعة»، لأنها تدل على ضلال قومه. فزعم أن الحديث لم يصح لأن في إسناده ناصبي، يقصد أزهر بن سعيد. وقد سبق وتكلمنا عن هذا في تخريج الحديث، وقلنا أن الرجل كان ثقة في الحديث. فكيف نرد حديثه؟ و أئمة الحديث متفقين على جواز النقل عن صاحب البدعة إلا إن كانت مكفرة (كحال الرافضة). قال العراقي في "شرح مقدمة ابن الصلاح": «فاحتج البخاري بعمران بن حِطّان، و هو من الدعاة –أي دعاة الخوارج-. و احتجّا (أي البخاري ومسلم) بعد الحميد بن عبد الرحمان الحماني، و كان داعية إلى الإرجاء». وقد سبق وتكلمنا عن هذا بالتفصيل، فراجعه إن شئت.

ثم إن ابن الوزير (لما زاد ميله للسنة) قد صحح حديث معاوية هذا في كتابه "الروض الباسم في الذَّبِّ عن سُنة أبي القاسم" عندما تكلم في فصل خاص عن الصحابة الذين طعن فيهم الشيعة و منهم معاوية t. فسرد ما له من أحاديث و منها هذا الحديث! و بيّن الشيخ صالح المقبلي اليمني معنى الحديث، و تكلم عليه بكلام مطوّل رد فيه استشكال ابن الوزير معنى الحديث و وجهه التوجيه الصحيح. و قد نقل كلامه الإمام الألباني -رحمه الله- كاملاً في السلسلة عند الكلام عن الحديث المذكور [31].

هذا كله مع العلم أن مطاعن ابن حزم وابن الوزير كانت في زيادة «كلها في النار إلا واحدة»، وليس في أصل الحديث. فقد روى ابن حزم حديث: «ستفترق أمتي على بضعٍ وسبعين فرقة، أعظمها فرقة قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحللون الحرام». و احتج به في المحلى (1\ 62) –وهو لا يحتج إلا بصحيح كما اشترط ذلك في مقدمة المحلى– وكذلك في الإحكام (8\ 506) ثم قال: «حريز بن عثمان ثقة، وقد رُوينا عنه أنه تبرأ مما أنسب إليه من الانحراف عن علي t. ونُعَيم بن حماد قد روى عنه البخاري في الصحيح».

وابن حزم الأندلسي لم تصله الكثير من السنن و كتب الحديث (مثل سنن الترمذي وسنن ابن ماجة)، ففاته الكثير من الطرق. و بالتالي فتضعيفه لتلك الزيادة هي لإحدى تلك الروايات، و لم يطلع قطعاً على كل تلك الروايات المتواترة. ثم إن ابن حزم الظاهري، على الرغم من ذكاءه و علمه، فقد كان له منهجاً شاذاً في الفقه و العقيدة و الحديث خالف به الجمهور. و لشدة تشدده في الحديث فقد ضعّفَ أحاديث في صحيحي البخاري ومسلم ونسب إحداها للوضع. لكنه كذلك كان يصحّح أحاديث موضوعة اتفق العلماء المتقدمون على ضعفها. و الرجل له أوهام كثيرة لأنه كان يعتمد في بحوثه على حافظته الواسعة. قال مؤرّخ الأندلس أبو مروان بن حَيّان: «كان ابن حزم حاملَ فنون ... وكان لا يخلو في فنونه من غلطٍ، لجرأته في الصِّيال على كل فن. ولم يكن سالماً من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير