تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت بل وثقه بإطلاق علي بن المديني (متشدد) و النسائي (متشدد جداً) وابن معين (متشدد) و ابن شاهين و محمد بن يحيى الذهلي. وذلك تجده في ترجمته بتهذيب التهذيب لابن حجر (1\ 179)، بالخط العربي الواضح. فما بال الشيخ القرضاوي لم ير ذلك، أم أنها العجلة وعدم التأني؟ وبعض هذا التوثيق في ترجمته في تهذيب الكمال (26\ 212) كذلك. وأخشى أن نظارات الشيخ صارت بحاجة إلى تغيير! أما أنهم رجحوه على غيره، فقد وضّحنا رجحوه على رجالٍ أقل ما يقال عنهم أن حديثهم حسن، فماذا يكون حاله إذاً؟ لا بد أنه لا ينزل عن رتبة الحسن، إن لم يكن في مرتبة الصحيح. وهذا يُفترض أن يكون من البداهة!

أما عن وصف ابن حجر له بأنه صدوقٌ له أوهام، فلا يفيد تضعيفه مطلقاً كما ظن الشيخ القرضاوي. فهذا اللفظ أولاً مأخوذٌ من كتاب "تقريب التقريب" الذي يعطي فكرة مختصرة جداً عن الراوي، ولا يمكن أبداً الاقتصار عليه. بل لا بد من العودة لكتب التراجم الطويلة مثل تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب، عدا الكتب المتخصصة في مواضيع معينة مثل: "طبقات المدلسين"، و " كتاب المختلطين"، و "الاغتباط لمعرفة من رمي بالاختلاط"، و"جامع التحصيل في أحكام المراسيل"، و"ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق"، وكتب العلل والسؤالات. فقراءة عناوين ليس بكافٍ أبداً.

وعلماء الحديث يعلمون أن ابن حجر له اصطلاح خاص بكلمة صدوق في كتابه تهذيب التهذيب [26]. فهو يطلق كلمة صدوق على الثقة، فتراه يقول: «الطبقة الثالثة: ومنهم الصدوق، الثبت الذي يهم أحياناً - وقد قبله الجهابذة النقاد، وهذا يحتج بحديثه». وكم من ثقةٍ يُصحّح ابن حجر حديثه، وقد وصفه في التهذيب بأنه صدوق. أما أنّ له أوهاماً، فهذا عنوان مختصر (كما يسميه ابن حجر) يدلك على وجوب قراءة تراجمه جيداً وأن تعرف أين هذه الأوهام، كما تجده في التفصيل في "تهذيب التهذيب" لإبن حجر، و "ميزان الاعتدال" للذهبي، و "الكامل" لإبن عدي وغيره، فنتجنب عندها هذه الأوهام. وقد سبق وأوضحنا هذه الأوهام وأنها لا تؤثر في هذا الحديث. وإذا كان رأي الحافظ ابن حجر مقبول عند الشيخ القرضاوي، فلماذا لم يأخذ بقبوله للحديث مع زيادة «كلها في النار إلا واحدة»؟ أم أنه لا يأخذ إلا ما وافق هواه؟

ثم قال الشيخ القرضاوي عن زيادة "كلها في النار إلا واحدة": «وقد روي الحديث بهذه الزيادة من طريق عدد من الصحابة: عبد الله بن عمرو، ومعاوية، وعوف بن مالك، وأنس، وكلها ضعيفة الإسناد، وإنما قووها بانضمام بعضها إلى بعض». أقول هذه دعوى باطلة و على المدعي البينة. فليس من أسهل أن تقول عن رواية –لا توافق مزاجك الشخصي– أنها ضعيفة. لكن هذا القول ليس له وزن حتى تثبت ذلك. بل ثبت كثير من تلك الروايات أنها صحيحة بنفسها، كما سبق وأوضحنا بعون الله. وباعتبار أن الشيخ القرضاوي لم يجد مطعناً حقيقياً في حديث معاوية، فإنه استعان ليطعن في الحديث برأي ابن حزم الظاهري وابن الوزير الزيدي الشيعي!

هناك الكثير من علماء الشيعة الزيدية في اليمن ممن نبذوا التقليد واجتهدوا فتحولوا إلى المذهب السني. ومن هؤلاء: محمد بن إبراهيم الوزير (ت 840هـ)، و صالح بن مهدي المقبلي صاحب كتاب "العلم الشامخ"، و محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت 852هـ) صاحب كتاب "سبل السلام"، و محمد ابن علي الشوكاني (ت 1250هـ) صاحب كتاب "نيل الأوطار" [27]، و مقبل الوادعي (ت 1422هـ) صاحب كتاب "إسكات ... يوسف القرضاوي". لكن أكثر هؤلاء لم يتحول للمذهب السني بشكل كامل، بل بقيت عنده آثار من فلسفة المعتزلة وتأثيرات من تشيع الزيدية. وقد أشار الشيخ مقبل الوادعي إلى أن صالح بن مهدي المقبلي [28] قد بقي في مذهب وسط بين السنة من جهة، وبين المعتزلة والشيعة من جهة أخرى. علماً بأن هذا الأخير قد شنّع كثيراً على ابن الوزير وأشار إلى أنه باقٍ على اعتزاله. فماذا يكون ابن الوزير إن شنع عليه من كان متأثراً بالمعتزلة؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير