تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و المحدثون لهم أغراض في مثل هذا الكلام، فقد نقل ابن رجب في"شرح العلل":" عن عبد الرحمان بن مهدي أنه قال:" إن الرجل إذا أخطأ في خمسين حديث لا يترك حديثه، وعن شعبة، قيل له مثل ذلك فلما وصلوا إلى مائة، قال: كثير."

فهذا شعبة من أشد الناس في الحديث وصل إلى حوالي مائة، فما بالك ببقية المحدثين من المعتدلين؟

فما يستفاد من هذا، أن الاعتبار في خطأ الراوي بالأغلب عليه.

والأربعمائة حديث التي ذكرها الجوهري هي جزء قليل من جملة الأحاديث التي كان يحفظها شريك، والتي دون أدنى شك كانت أكثر من ذلك بكثير.

قال الذهبي في الكتاب نفسه الذي أخذ منه صاحب الرسالة ترجمته:" إن شريكا حمل عنه إسحاق الأزرق تسعة ألاف حديث" {274/ 2}.

قال أبو زرعة عن شريك:" كثير الحديث" {الجرح والتعديل} {367/ 4} لابن أبي حاتم.

فكلما زاد حفظ الرجل زاد خطؤه، والأمر نسبي.

كما يجب مراعاة أمر هام، وهو أن رجلا مثل شريك اتفقوا على عدالته وصدقه، واختلفوا في ضبطه و إتقانه للرواية، فذكر غالبيتهم أنه ساء حفظه منذ ولي القضاء، قال صالح جزرة {تهذيب الكمال} {332/ 4}:" صدوق ولما ولي القضاء اضطرب حفظه".

و قال أبو علي صالح بن حمد {تاريخ بغداد} {285/ 9}:"صدوق ولما ولي القضاء اضطرب حفظه".

قال ابن حجر في " تقريب التهذيب":" صدوق يخطأ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع".

و عليه يجب النظر في أحاديثه أحدث بها قبل توليه القضاء أم بعد ذلك؟

كما ذكر آخرون فرقا آخر بحيث صححوا الأحاديث التي حدث بها من كتابه وتوقفوا في الأخرى، قال يعقوب بن شيبة {شرح العلل} {589/ 2}:" كتبه صحاح وحفظه فيه اضطراب".

قال محمد بن عمار الموصلي {شرح العلل:589/ 1}:" كتبه صحاح فمن سمع منه من كتبه فهو صحيح، ولم يسمع منه إلا إسحاق الأزرق".

وعليه يجب النظر في أحاديثه، أحدث بها من كتبه أم من حفظه؟

وهناك فرق آخر ذكره المحدثون بحيث قبلوا أحاديثه بمدينة واسط، فقال ابن حبان في {الثقات} {444/ 6}:" بعد أن وثقه: كان في آخر أمره يخطيء، تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بواسط ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون، وسماع المتأخرين منه بالكوفة فيه أوهام كثيرة".

وعليه نقول: حديث شريك هذا رواه عنه يزيد بن هارون بواسط، وسماعه منه قديم قبل أن يتولى القضاء، فسلم من العلل التي ذكرناها قبل هذا، فلزم حينئذ ملاحظة هذه الفروق عند التعرض لأحاديث شريك، أو من هو مثله.

فإن الحكم العام لا يصلح إلا على قلة من الرواة فقط.

أما جرح النسائي له فإنه يقابله تعديله هو نفسه، فقد قال عن شريك ـ دائما في الكتاب نفسه {ميزان الاعتدال}:" ليس به بأس".

والحقيقة: النسائي لم يتناقض فيما يخص شريك،و إنما قال في الرواية الأولى:" ليس بالقويفإذا جمعنا الروايتين:" ليس به بأس" و" ليس بالقوي" أمكن حملهما على معنى واحد، وهو أنه ثقة يخطيء إذا خالف غيره، كما فصلناه في أول الرسالة عند ذكرنا قول الدار قطني:" ليس بالقوي فيما تفرد به"

أما تضعيف يحي بن سعيد القطان فمعروف ابن القطان بتشدده، وفي هذه الترجمة المستوفاة ما يغني عن كلامه.

كما أن تعديل عبد الرحمان بن مهدي لشريك يعارض تجريح ابن القطان، وقد قال الذهبي في رسالته في"الجرح والتعديل" {ص:167}:" إن من اختلف فيه يحي بن سعيد القطان وعبد الرحمان بن مهدي فإنه ينزل عن درجة الصحيح إلى الحسن"

والحقيقة أن موقف يحي بن سعيد القطان من شريك قد رد عليه تلميذه يحي بن معين ـ وهو اعلم بمنهج شيخه وطريقته في الرجال و أعلم بالرجال ـ عندما قيل له:" روى يحي بن سعيد عن شريك؟ قال: لم يكن شريك عند يحي بشيء وهو ثقة ثقة" {سؤالات ابن الهيثم للابن معين} {36}.

ومثل ابن القطان قول الجوزجاني في "أحوال الرجال" {92}:" سيء الحفظ مضطرب الحديث مائل".

قلت: معلومة وضعية الجوزجاني العقدية، خاصة في رجل مثل شريك من أئمة أهل السنة المحضة، أقصد أهل السنة في المعتقد و المنهج،كان شديدا على المبتدعة،فمن الطبيعي أن يكون محل انتقاداتهم خاصة من الناصبة إذا رأوا أنه كان متشيعا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير