قال الذهبي: فإن عري السند من القرائن – وذلك قليل – لم نقطع به أنه ابن زيد، ولا ابن سلمة، بل نتوقف، أو نقدره ابن سلمة ([77]).
فقوله: «و نقدره ابن سلمة»، دلالة على أنه هو المراد إذا أطلق غالباً، والله أعلم.
وقال الحافظ ابن حجر في أحد روايات البخاري عن علي: الأرجح أنه ابن المديني؛ لأن العادة أن الإطلاق إنما ينصرف لمن يكون أشهر، وابن المديني أشهر من اللبقي ([78]).
وسئل المزي عن عمرو بن خالد، الذي ذكره مسلم في مقدمة صحيحه، هل هو الواسطي، أو الأعشى؟.
فأجاب بقوله: أما عمرو بن خالد الذي ذكره مسلم في مقدمة كتابه، فهو الواسطي؛ لأنه المشهور دون الأعشى، وقد ذكره مسلم في معرض ضرب المثل، وإنما يُضرب المثل بالمشهور دون المغمور ([79]).
10 - ومما ينبغي التنبيه إليه إنه قد يهمل نسب الراوي إذا كان يؤمن أن يلتبس بغيره.
كأن يكون مشهوراً وليس في طبقته من يوافق اسمه وشهرته، أو يكون اسمه فرداً، أو نحو ذلك.
قال الخطيب: جماعة من المحدثين يُقتصر في الرواية عنهم على ذكر أسمائهم دون أنسابهم؛ إذا كان أمرهم لا يُشكل. ومنزلتهم من العلم لا تُجهل، فمنهم: أيوب بن أبي تميمة السختياني، ويونس بن عبيد، وسعيد بن أبي عروبة وهشام بن أبي عبدالله، ومالك بن أنس، وليث بن سعد، ونحوهم من أهل طبقتهم. وأما ممن كان بعدهم، فعبدالله بن المبارك يروي عنه عامة أصحابه فيسمونه، ولا ينسبونه.
وقال أيضاً: وربما لم يُنسب المحدث إذا كان اسمه مفرداً عن أهل طبقته؛ لحصول الأمان من دخول الوهم في تسميته وذلك مثل: قتادة بن دعامة السدوسي، ومسعر بن كدام الهلالي…، وهكذا من كان مشهوراً بنسبته إلى أبيه، أو قبيلته، فقد اكتفى في كثير من الروايات عنه بذكر ما اشتهر به، وإن لم يُسم هو فيه، وذلك نحو الرواية عن ابن عون، وابن جريج وابن لهيعة…، وكنحو الرواية عن الشعبي، والنخعي، والزهري ... الخ ([80]).
هذا ما تيسر لي جمعه وتحريره في بيان هذه القواعد والوسائل، أرجو أن أكون قد وفقت في عرضها وتوضيحها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• • •
خاتمة البحث:
وفي ختام هذا البحث أحمد الله عز وجل أن هيأ لي إتمامه على هذا الوجه، وأسأله أن يكون فيه فائدة لي وللمشتغلين بعلوم السنة النبوية، وأن تكون النتائج التي توصلت إليها صائبة أو قريبة من الصواب، كما أسأله عز وجل أن ينفعني به في الدنيا والآخرة.
ويحسن بي في نهاية المطاف أن أسجل أهم نتائج هذا البحث، ومنها ما يلي:
1 - إن تمييز وتعيين الراوي المهمل أمر ليس باليسير، وقد يأخذ من الباحث وقتاً طويلاً، وقد حاولت في هذا البحث أن أبين بعض القواعد التي تعين على تيسير هذا الأمر قدر الإمكان.
2 - إن الراوي المهمل إذا ذكر فإنما ينصرف إلى الأشهر غالباً، فإذا أطلق سفيان فيراد به الثوري، وإذا أطلق حماد فيراد به ابن سلمة، وهكذا، وهذا ما يُفهم من صنيع كثير من الأئمة.
3 - إن الراوي إذا أطلق اسم شيخه مهملاً، فينصرف إلى من له به اختصاص وملازمة.
4 - إنه يمكن تعيين الراوي المهمل أحياناً بالنظر في صيغة تحديثه، حيث عرف عن بعض الأئمة ممن قد يردون مهملين أنهم يقتصرون على صيغة واحدة دون غيرها.
5 - إن الثوري إذا حدث عن الضعفاء فلا يذكرهم بأسمائهم وإنما بكناهم.
إلى غير ذلك من الوسائل والقواعد المذكورة في ثنايا البحث.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحواشي والتعليقات
([1]) وقد كتب فيهما بحثاً طويلاً بعنوان «تمييز السفيانين عند ورودهما في الروايات مهملين» لعل الله أن ييسر نشره قريباً.
(2) ذكره له غير واحد من العلماء، انظر المعجم المفهرس ص156، المجمع المؤسس 2/ 308، صلة الخلف ص410.
(3) ذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – في فهرس الظاهرية ص268، ضمن مؤلفات الخطيب: «قطعة في ما أبهم من الأسماء» ثم علق عليها بقوله: للمؤلف كتاب المكمل في بيان المهمل … فأنا أظن هذه القطعة من مختصر هذا الكتاب. والله أعلم.
قلت: ذكر الشيخ أن القطعة في ما أبهم من الأسماء، وليس ما أهمل، والخطيب له مؤلف في المبهمات، وستأتي الإشارة إليه، ولعل هذه القطعة منه، والله أعلم.
¥