لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه). وقد تقدم هذا المعنى في سورة "آل عمران" عند قوله تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء" [آل عمران: 169]. وقد روي من حديث عائشة أن امرأة دخلت عليها فلما قامت قالت امرأة: ما أطول ذيلها فقالت لها عائشة: لقد اغتبتيها فاستحليها. فدلت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظلمة يجب على المغتاب استحلالها. وأما قول من قال: إنما الغيبة في المال والبدن، فقد أجمعت العلماء على أن على القاذف للمقذوف مظلمة يأخذه بالحد حتى يقيمه عليه، وذلك ليس في البدن ولا في المال، ففي ذلك دليل على أن الظلم في العرض والبدن والمال، وقد قال الله تعالى في القاذف: "فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون" [النور: 13]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من بهت مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في طينة الخبال]. وذلك كله في غير المال والبدن. وأما من قال: إنها مظلمة، وكفارة المظلمة أن يستغفر لصاحبها، فقد ناقض إذ سماها مظلمة ثم قال: كفارتها أن يستغفر لصاحبها، لأن قول مظلمة تثبت ظلامة المظلوم، فإذا ثبتت الظلامة لم يزلها عن الظالم إلا إحلال المظلوم له. وأما قول الحسن فليس بحجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [من كانت له عند أخيه مظلمة في عرض أو مال فليتحللها منه]. وقد ذهب بعضهم إلى ترك التحليل لمن سأله، ورأى أنه لا يحل ما حرم الله عليه، منهم سعيد بن المسيب قال: لا أحلل من ظلمني. وقيل لابن سيرين: يا أبا بكر، هذا رجل سألك أن تحلله من مظلمة هي لك عنده، فقال: إني لم أحرمها عليه فأحلها، إن الله حرم الغيبة عليه، وماكنت لأحل ما حرم الله عليه أبدا. وخبر النبي صلى الله عليه وسلم يدل على التحليل، وهو الحجة والمبين. والتحليل يدل على الرحمة وهو من وجه العفو، وقد قال تعالى: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله" [الشوري: 40].
)
=============
وفي فتح الباري
(وأما حكمها فقال النووي في " الأذكار ": الغيبة والنميمة محرمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك.
ونقل أبو عبد الله القرطبي في تفسيره الإجماع على أنها من الكبائر لأن حد الكبيرة صادق عليها لأنها مما ثبت الوعيد الشديد فيه.
وقال الأذرعي لم أر من صرح بأنها من الصغائر إلا صاحب العدة والغزالي.
وصرح بعضهم بأنها من الكبائر.
وإذا لم يثبت الإجماع فلا أقل من التفصيل، فمن اغتاب وليا لله أو عالما ليس كمن اغتاب مجهول الحالة مثلا.
وقد قالوا: ضابطها ذكر الشخص بما يكره، وهذا يختلف باختلاف ما يقال فيه، وقد يشتد تأذيه بذلك وأذى المسلم محرم.
وذكر النووي من الأحاديث الدالة على تحريم الغيبة حديث أنس رفعه " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم.
قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " أخرجه أبو داود وله شاهد عن ابن عباس عند أحمد وحديث سعيد بن زيد رفعه " إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق " أخرجه أبو داود، وله شاهد عند البزار وابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة، وعند أبي يعلى من حديث عائشة، ومن حديث أبي هريرة رفعه " من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب له يوم القيامة فيقال له كله ميتا كما أكلته حيا، فيأكله ويكلح ويصيح " سنده حسن.
وفي " الأدب المفرد " عن ابن مسعود قال: " ما التقم أحد لقمة شرا من اغتياب مؤمن " الحديث، وفيه أيضا وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة في قصة ماعز ورجمه في الزنا " وإن رجلا قال لصاحبه انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يدع نفسه حتى رجم رجم الكلب، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم كلا من جيفة هذا الحمار - لحمار ميت - فما نلتما من عرض هذا الرجل أشد من أكل هذه الجيفة " وأخرج أحمد والبخاري في " الأدب المفرد " بسند حسن عن جابر قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين " وهذا الوعيد في هذه الأحاديث يدل على أن الغيبة من الكبائر، لكن تقييده في بعضها بغير حق قد يخرج الغيبة بحق لما تقرر أنها ذكر المرء بما فيه)
ـ[خالد الوايلي]ــــــــ[18 - 02 - 03, 11:09 م]ـ
جواب كاف شاف
أسأل الله أن يبارك في علمك وعمرك ... يا شيخنا ابن وهب .. اللهم آمين
ـ[المسيطير]ــــــــ[11 - 06 - 08, 10:49 م]ـ
أسأل الله أن يبارك في علمك وعمرك ... شيخنا ابن وهب ..
وجزى الله الأخ خالد الوائلي على أسئلته الوجيهة المفيدة البديعة.