ـ[أبو تيمية إبراهيم]ــــــــ[05 - 10 - 02, 02:16 م]ـ
عجبت كثيرا كما عجب غيري مما قاله محمد الأمين غفر الله له، و سامحه - في بيان حال ما أخرجه مسلم في قصة تأبير النخل و قول النبي: أنتم أعلم بأمر دنياكم
حيث ذهب إلى أن الحديث موضوع مع أمور أخرى تعليلية خالف بها طريقة العلماء جميعا لفظا و معنى!
و الحقيقة أن الأخ المشار إليه كثيرا ما يبحث الحديث بحسب ما يقع له سائرا على منهج (###) النظر في رجال السند معطيا لكل راو درجة ثم يصدر تلك الاحكام، و لعمر الله لو طبق منهجه هذا على صحيح البخاري نفسه لدمر كثيرا منه ..
و هذا المنهج (###) خالفه فيه إماما أهل الظاهر في زمانه الحافظ ابن حزم و في نفس الكتاب الذي ينقل عنه حال عكرمة، و هو كتاب الأحكام فقال رحمه الله: (وأما أمور الدنيا ومكايد الحروب ما لم يتقدم نهي عن شيء من ذلك وأباح صلى الله عليه وسلم تعالى له التصرف فيه كيف شاء فلسنا ننكر أن يدبر عليه السلام كل ذلك على حسب ما يراه صلاحا فإن شاء الله تعالى إقراره عليه أقره وإن شاء إحداث منع له من ذلك في المستأنف منع إلا أن كل ذلك مما تقدم الوحي إليه بإباحته إياه ولا بد.
و أما في التحريم والإيجاب فلا سبيل إلى ذلك البتة وذلك مثل ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة فهذا مباح لأن لهم أن يهبوا من أموالهم ما أحبوا ما لم ينهوا على ذلك ولهم أن يمنعوه ما لم يؤمروا بإعطائه وكذلك منازله صلى الله عليه وسلم في حروبه له أن ينزل من الأرض حيث شاء ما لم ينه عن مكان بعينه أو يؤمر بمكان بعينه وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في تلقيح ثمار أهل المدينة لأنه مباح للمرء أن يلقح نخله ويذكر تينه ومباح أن يترك فلا يفعل شيئا من ذلك) (الإحكام لابن حزم5/ 128 - ط دار الحديث)
و قال بعده: (وهذا كله ليس من أمور الدين الواجبة والمحرمة في شيء إنما هي أشياء مباحة من أمور المعاش من شاء فعل ومن شاء ترك وإنما الاجتهاد الممنوع منه ما كان في التحريم والإيجاب فقط بغير نص وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم في حديث التلقيح على قولنا وقال صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بأمور دنياكم وقد حدثنا بهذا الحديث عبد الله بن يوسف بن ناهي عن أحمد بن فتح عن عبد الوهاب بن عيسى عن أحمد بن محمد عن أحمد بن علي عن مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمر والناقد وكلاهما عن أسود بن عامر ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة وثابت وهشام عن أبيه عن عائشة وثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال لو لم تفعلوا لصلح قال فخرج شيصا فمر بهم فقال ما لنخلكم فقالوا قلت كذا وكذا قال أنتم أعلم بأمور دنياكم قال أبو محمد فهذا بيان جلي مع صحة سنده في الفرق بين الرأي في أمر الدنيا والدين وأنه صلى الله عليه وسلم لا يقول الدين إلا من عند الله تعالى وأن سائر ما يقول فيه برأيه ممكن فيه أن يشار عليه بغيره فيأخذ عليه السلام به لأن كل ذلك مباح مطلق له وإننا أبصر منه بأمور الدنيا التي لا خير معها إلا في الأقل وهو أعلم منا بأمر الله تعالى وبأمر الدين المؤدي إلى الخير الحقيقي وهذا نص قولنا وبالله تعالى التوفيق وفي هذا كفاية والحمد رب العالمين) اهـ
و قال أيضا رحمه الله: (وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقع فيه المشورة منه وفرق بينه وبين الدين كما حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا أبو بكر بن مفرج القاضي نا محمد بن أيوب الصموت الرقي نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا عمرو بن علي نا عفان بن مسلم نا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصواتا فقال ما هذه الأصوات قالوا النخل يؤبرونه فقال لو لم يفعلوا لصلح فأمسكوا عنه فصار شيصا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا كان شيئا من أمر دنياكم فشأنكم وإن كان شيئا من أمر دينكم فإلي.
وبه إلى البزاز نا هدبة بن خالد نا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوتا في النخل فقال ما هذا قال يؤبرون النخل قال لو تركوها أصلحت فتركوها فصارت شيصا فأخبروه بذلك فقال أنتم أعلم بما يصلحكم في دنياكم وأما آخرتكم فإلي قال أبو محمد فهذه عائشة وأنس لم يدعا في روايتها إشكالا وأخبرا أنه صلى الله عليه وسلم أعلمنا أننا أعلم بما يصلحنا في دنيانا منه ففي هذا كان يشاور أصحابه وأخبرا أنه صلى الله عليه وسلم جعل أمر آخرتنا إليه لا إلى غيره وأمر الآخرة هو الدين والشريعة فقط فلم يجعل ذلك صلى الله عليه وسلم إلى أحد سواه وبطل بذلك رأي كل أحد وحرم القول بالرأي جملة في الدين وبالله تعالى التوفيق وهذا يبين معنى قول الله عز وجل وما ينطق عن لهوى إن هو إلا وحي يوحى إنما هو في أمر الدين فكل ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من تحريم أو تحليل أو إيجاب فهو عن الله تعالى بيقين ... ) الإحكام 6/ 209 - 210.
فهذا ابن حزم يصححه و يحتج به و يقعد منه، فالظاهرية نفسها بريئة مما فعله الأخ محمد الأمين.
و أزيدك أخي الكريم:
أنت اقتصرت على ما في مسلم مع ضعف في التعليل، و فيه ما فيه:
يتبع ...
¥