نكاح إلا بولي} هذه التأويلات , انتفى أن يصرف إلى بعضها دون بعض , إلا بدلالة تدل على ذلك , إما من كتاب وإما من سنة , وإما من إجماع واحتج الذين قالوا " لا نكاح إلا بولي " لقولهم أيضا , بما حدثنا فهد , قال: ثنا محمد بن سعيد , قال: أخبرنا شريك. ح وحدثنا فهد , قال: ثنا الحماني , قال: ثنا شريك , عن سماك بن حرب , عن ابن أخي معقل , {عن معقل بن يسار أن أخته كانت تحت رجل , فطلقها , ثم أراد أن يراجعها , فأبى عليه معقل , فنزلت هذه الآية {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}}. قالوا: فلما أمر الله تعالى وليها بترك عضلها دل ذلك أن إليه عقد نكاحها وكان ذلك - عندنا - قد يحتمل ما قالوا , ويحتمل غير ذلك. يحتمل أن يكون عضل معقل كان تزهيده لأخته في المراجعة , فتقف عند ذلك , فأمر بترك ذلك. فلما لم يكن في هذه الآثار دليل على ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى , نظرنا فيما سواها , هل نجد فيه شيئا يدل على الحكم في هذا الباب , كيف هو؟. فإذا يونس قد حدثنا قال: أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه , عن عبد الله بن الفضل , عن نافع بن جبير بن مطعم , عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {الأيم أحق بنفسها من وليها , والبكر تستأذن في نفسها , وإذنها صماتها}. حدثنا ابن مرزوق , قال: ثنا القعنبي , قال: ثنا مالك , فذكر بإسناده مثله. حدثنا حسين بن نصر , قال: ثنا يوسف بن عدي , قال: ثنا حفص بن غياث , عن عبد الله بن عبد الله بن موهب , عن نافع بن جبير , فذكر بإسناده مثله. فبين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث بقوله {الأيم أحق بنفسها من وليها} أن أمرها في تزويج نفسها إليها لا إلى وليها , وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الباب ما يدل على هذا المعنى أيضا. حدثنا علي بن شيبة , قال: ثنا يزيد بن هارون , قال: أخبرنا حماد بن سلمة. ح. وحدثنا ابن أبي داود , قال: ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل , قال: ثنا حماد بن سلمة. ح. وحدثنا ابن أبي داود أيضا , قال: ثنا آدم بن أبي إياس , قال: ثنا سليمان بن المغيرة , قالا: ثنا ثابت , عن عمر بن أبي سلمة , عن أم سلمة قالت {دخل علي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم , بعد وفاة أبي سلمة , فخطبني إلى نفسي. فقلت: يا رسول الله , إنه ليس أحد من أوليائي شاهدا , فقال إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك. قالت: قم يا عمر , فزوج النبي صلى الله عليه وسلم , فتزوجها}. فكان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبها إلى نفسها , ففي ذلك دليل أن الأمر في التزويج إليها دون أوليائها. فإنما {قالت له إنه ليس أحد من أوليائي شاهدا قال إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت قم يا عمر , فزوج النبي عليه السلام}. وعمر هذا ابنها , وهو يومئذ طفل صغير غير بالغ , لأنها قد قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث (إني امرأة ذات أيتام) (يعني عمر ابنها , وزينب بنتها) والطفل لا ولاية له , فولته هي أن يعقد النكاح عليها , ففعل. فرآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جائزا , وكان عمر بتلك الوكالة , قام مقام من وكله. فصارت أم سلمة رضي الله عنها , كأنها هي عقدت النكاح على نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. ولما لم ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم حضور أوليائها , دل ذلك أن بضعها إليها دونهم. ولو كان لهم في ذلك حق , أو أمر , لما أقدم النبي صلى الله عليه وسلم على حق هو لهم قبل إباحتهم ذلك له. فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أولى بكل مؤمن من نفسه. قيل له: صدقت , هو أولى به من نفسه , يطيعه في أكثر مما يطيع فيه نفسه , فأما أن يكون هو أولى به من نفسه في أن يعقد عليه عقدا بغير أمره , من بيع , أو نكاح , أو غير ذلك فلا , وإنما كان سبيله في ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم , كسبيل الحكام من بعده , ولو كان ذلك كذلك , لكانت وكالة عمر , إنما تكون من قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم , لا من قبل أم سلمة , لأنه هو وليها. ولما لم يكن ذلك كذلك , وكانت الوكالة إنما كانت من قبل أم سلمة , فعقد بها النكاح , فقبله رسول الله
¥