تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3. ويلزم منه أن يكون تصديقاً لقول الكفار: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا} [الفرقان: 8]، وقال قوم صالح له: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء:153]، وكذا قال قوم شعيب له.

4. قالوا: والأنبياء لا يجوز عليهم أن يُسحروا؛ لأن ذلك ينافي حماية الله لهم وعصمتهم. (17)

وأجابوا عن حديث عائشة رضي الله عنها – والذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر – بأنه مما تفرد به هشام بن عروة (18)، عن أبيه، عن عائشة. وأنه غَلُطَ فيه، واشتبه عليه الأمر. (19)

واعترض:

1. بأن قوله تعالى: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا}، وقوله: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِين َ}: المراد به: من سُحر حتى جُنَّ وصار كالمجنون الذي زال عقله؛ إذ المسحور الذي لا يُتبع هو من فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول فهو كالمجنون، ولهذا قالوا فيه: {مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} [الدخان: 14]، وأما من أصيب في بدنه بمرض من الأمراض التي يصاب بها الناس؛ فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه، وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان، وإنما قذفوهم بما يُحَذِّرون به سفهاءهم من أتباعهم، وهو أنهم قد سحروا حتى صاروا لا يعلمون ما يقولون بمنزلة المجانين، ولهذا قال تعالى: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} [الإسراء: 48].

2. وأما قولهم: إن سحر الأنبياء ينافي حماية الله تعالى لهم؛ فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم؛ فإنه يبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم؛ ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس، فإنهم إذا رأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم. (20)

3. وأما قولهم: بأن حديث عائشة هو مما تفرد به هشام بن عروة؛ فجوابه:أن ما قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم؛ فإن هشاماً من أوثق الناس وأعلمهم، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه، وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة، والقصة مشهورة عند أهل التفسير، والسنن والحديث، والتاريخ والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من غيرهم.

والحديث لم يتفرد به هشام؛ فقد رواه الأعمش، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه - قال: " سَحَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا؛ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا وَكَذَا؛ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَخْرَجُوهَا، فَجِيءَ بِهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ الْيَهُودِيِّ، وَلَا رَآهُ فِي وَجْهِهِ قَط “ (21) (22)


هوامش التوثيق

(1) المعلم بفوائد مسلم (3/ 93).
(2) عمدة القاري (15/ 98).
(3) حاشية السندي على سنن النسائي (7/ 113).
(4) مجموع فتاوى ابن باز ( ... ).
(5) انظر: فتح الباري (10/ 237)، ونيل الأوطار (17/ 211)
(6) الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم (2/ 113).
(7) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأذان، حديث (687)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصلاة، حديث (418).
(8) جحش شقه: أي انخدش جلده. انظر: مشارق الأنوار (1/ 140)، والنهاية في غريب الحديث (1/ 241).
(9) عن أنس بن مالك قال: " سَقَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ فَرَسٍ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَن ".
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الصلاة، حديث (378)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الصلاة، حديث (411).
(10) السلى: الجلد الرقيق الذي يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفاً فيه. انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 396).
(11) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الوضوء، حديث (240)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الجهاد والسير، حديث (1794).
(12) بدائع الفوائد (2/ 192). وانظر: زاد المعاد (4/ 124).
(13) الشفا (2/ 113).
(14) الزواجر (2/ 163 ـ 164).
(15) انظر: مفاتيح الغيب (32/ 172)، وعمدة القاري (21/ 280).
(16) أحكام القرآن، للجصاص (1/ 58 - 59).
(17) انظر: أحكام القرآن، للجصاص (1/ 59)، ومفاتيح الغيب (32/ 172)، وبدائع الفوائد (2/ 191).
(18) هو: هشام بن عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، الإمام الثقة، شيخ الإسلام، أبو المنذر القرشي الأسدي الزبيري المدني، قال ابن سعد:كان ثقة ثبتاً كثير الحديث حجة. وقال أبو حاتم الرازي: ثقة إمام في الحديث. وقال يحيى بن معين وجماعة: ثقة. (ت: 146 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 34).
(19) انظر: بدائع الفوائد (2/ 191).
(20) انظر: بدائع الفوائد (2/ 192 - 193)، ومفاتيح الغيب (32/ 172).
(21) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 40)، والإمام أحمد في مسنده (4/ 367)، والنسائي في سننه، في كتاب تحريم الدم، حديث (4080)، جميعهم من طريق الأعمش، به. وصححه الألباني، في صحيح سنن النسائي (3/ 98)، حديث (4091).
(22) انظر: بدائع الفوائد (2/ 191).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير