[المقتبس من ((ترجمان الأفذاذ ببيان الأحاديث الشواذ))]
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[11 - 02 - 05, 11:17 ص]ـ
الْحَمْدُ للهِ الْمُتَعَزِّزِ فِى عَلْيَائِهِ. الْمُتَوَحِّدِ فِى عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ. النَّافِذِ أَمَرُهُ فِى أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ. حَمْدَاً يُكَافِئُ الْمَزِيدَ مِنْ أَفْضَالِهِ وَنَعْمَائِهِ. وَيَكُونُ ذُخْرَاً لِقَائِلِهِ عِنْدَ رَبِّهِ يَوْمَ لِقَائِهِ. والصَّلاةُ وَالسَّلامُ الدَّائِمَانِ عَلَى الْمُصْطَفَى مِنْ رُسُلِ اللهِ وَأَنْبِيَائِهِ. وَرَضِىَ اللهُ عَنْ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَصْفِيَائِهِ. وبعد ..
الشَّاذ لغةً: اسم فاعل من شذ يشُذ ـ بكسر الشين وضمها ـ شذوذاً، فهو شاذ إذا انفرد، وهو فى اللغة المنفرد عن الجماعة. وأما اصطلاحا، فقد ذكروا له ثلاثة حدود:
(الأول) قول الإمام الشَّافِعيِّ. ذكره أبو عبد الله الحاكم فى ((معرفة علوم الحديث)) قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم الأشقر سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لى الشَّافِعيُّ: ليس الشَّاذ من الحديث أن يروى الثقة ما لا يرويه غيره، وإنما الشَّاذ أن يروى الثِّقَةُ حديثاً يخالف فيه النَّاسَ.
(الثانى) قول أبى عبد الله الحاكم. قاله فى ((معرفة علوم الحديث)) (1/ 119): الشَّاذ هو الحديث الذى ينفرد به ثقة، وليس له أصل متابع لذلك الثِّقَةِ.
(الثالث) قول أبى يعلى الخليلِيُّ القزوينِيُّ. قاله فى ((الإرشاد)) (1/ 176): الشَّاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.
وقد لخصها الحافظ الجهبذ زين الدين العراقِيُّ فى ((التَّبصرة والتَّذكرة)) فقال:
وَذُو الشُّذُوذِ مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ ... فِيهِ الْمَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ
والحَاكِمُ الخِلاَفَ فِيهِ مَا اشْتَرَطْ ... وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْوالمعتمد من ذلك فى رسم الشَّاذ عند أكثر أهل المعرفة بالحديث هو قول الإمام الشَّافِعيِّ.
وأما ما ذكره الحاكم، فليس بالمباعد كثيرا عن رسم الشَّافِعيِّ وحدِّه، فهو يوافقه فى تفرد الثِّقَةِ، وإنما زاد الشَّافِعيُّ عليه مخالفة ذاك الثِّقَةِ لغيره من النَّاسِ، على أن صنيع الحاكم فى ((مستدركه على الصحيحين))؛ تصحيح الكثير مما تفرد به الثِّقَةُ وإن لم يتابع. ولا يغيبن عنك أن الوصف بالتفرد وعدم المتابع، هو وصفٌ خالٍ عن قبول الحدبث أو رده، وبهذا يثبت أن الشذوذ عند الحاكم أبى عبد الله لا يناقض الصِّحة ولا ينفيها، كما ظنَّه من لم يمعن الفهم لدلالة معانى ألفاظه.
وقال الحافظ ابن حجر ((النكت على ابن الصلاح)): ((والحاصل من كلامهم، أن أبا يعلى الخليلي يسوِّي بين الشاذ والفرد المطلق، فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح، وغير الصحيح، فكلامه أعم، وأخص منه كلام الحاكم، لأنه يقول: إنه تفرد الثقة، فيخرج تفرد غير الثقة، فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وأخص منه كلام الشافعي، لأنه يقول ((إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه)). ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم، لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح، وأن الرواية الراجحة أولى، لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة؟، فهذا محل توقف، قد قدمت التنبيه عليه في الكلام على نوع الصحيح)) اهـ.
وما أفادناه الحافظ ابن حجر من دلالات الحدود الثلاثة جيد مستحسن، إلا قوله ((لازم قول الخليلى أن يكون فى الشَّاذ: الصحيح، وغير الصحيح))، فلست أدرى كيف فهم ذلك؟، مع تصريح الخليلى بقوله ((وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به))، فأين هذا من الصحة؟، بل الشَّاذ عند أبى يعلى الخليلى يكادُ يكونُ كلُّه غيرَ صحيحٍ، وليس كما فهمه الحافظ.
ومهما يكن من أمرٍ، فإن ما ذكره الحافظ أبو يعلى الخليلى مردود، بأن أكثر صحاح الأحاديث مما تفرد به الثقة ولم يتابع عليه، إذ لم يشترطوا فى صحة الحديث متابعةً ولا عاضداً، ولا توقفوا في أفراد الثقات، بل احتجوا بها وأودعوها ((صحاحهم))، وذلك:
¥