القول المأثور بإيجاب المهر على مَنْ أَغْلَقَ البَابَ وأَرْخَى السُّتور
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[28 - 11 - 04, 10:43 ص]ـ
الحمد لله الهادى من استهداه طلباً لمرضاته. الواقى من اتقاه رَغَبَاً فى جناته. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير رسله ودعاته وبعد.
اختلف أهل العلم فيما يوجب الصداق من الدخول أو الخلوة.
وأكثر أهل العلم عَلَى أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَاباً وَأَرْخَى سِتْرَاً عَلَى الْمَرْأَة فَقَدْ وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلاً وَعَلَيْهَا الْعِدَّة , وَبَذْلك قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالأَوْزَاعِيُّ والثَّوْرِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ , وَأكثرُ أَهْل الْكُوفَة. وهو المأثور عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيّ بْنِ أبى طَالِبٍ، وَزَيْد بْنِ ثَابِت، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَابْنِ عُمَرَ، ومن التابعين: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن حزم، وعطاء بن أبى رباح، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، والحسن البصرى، وإبراهيم النخعى، والزهرى، وأبي الزناد، وزيد بن أسلم وغيرهم.
إلا أنَّ أبا حنيفة من بينهم قال: إذا خلا بها في بيتها وطىء أو لم يطأ، فالمهر كله لها، إلا أن يكون أحدهما محرما، أو أحدهما مريضاً، أو كانت هي حائضا، أو صائمة في رمضان، فليس لها في كل ذلك إلا نصف المهر، فلو خلا بها وهو صائم صيام فرض في ظهار، أو نذر، أو قضاء رمضان، فعليه الصداق كله، وعليها العدة، فلو خلا بها في صحراء، أو في مسجد أو في سطح لا حجرة عليه، فليس لها إلا نصف الصداق.
وقَالَ الْكُوفِيُّونَ: الْخَلْوَة الصَّحِيحَة يَجِب مَعَهَا الْمَهْر كَامِلاً سَوَاء وَطِئَ أَمْ لَمْ يَطَأ , إِلا إِنْ كَانَ أَحَدهمَا مَرِيضًا أَوْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا أَوْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَهَا النِّصْف وَعَلَيْهَا الْعِدَّة كَامِلَة , وَاحْتَجُّوا أَيْضًا: بِأَنَّ الْغَالِب عِنْد إِغْلاق الْبَاب وَإِرْخَاء السِّتْر عَلَى الْمَرْأَة وُقُوع الْجِمَاع، فَأُقِيمَتْ الْمَظِنَّة مَقَام الْمَئِنَّة، لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوس فِي تِلْكَ الْحَالَة مِنْ عَدَم الصَّبْر عَنْ الْوَقَاع غَالِبًا، لِغَلَبَةِ الشَّهْوَة، وَتَوَفُّر الدَّاعِيَة.
وَقَالَ مَالِك: إِذَا دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ فِي بَيْته صُدِّقَتْ عَلَيْهِ , وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فِي بَيْتهَا صُدِّقَ عَلَيْهَا , وَنَقَلَهُ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب. وَعَنْ مَالِك رِوَايَة أُخْرَى كَقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة إِلَى: أَنَّ الْمَهْر لا يَجِب كَامِلاً إِلا بِالْجِمَاعِ , وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ((وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَة فَنِصْف مَا فَرَضْتُمْ)) وَقَولِه ((ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا))، وَجَاءَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَشُرَيْح وَالشَّعْبِيّ وَابْن سِيرِينَ، وهو قول أبى ثور والظاهرية.
ذكر من قال: مَنْ أَغْلَقَ بَابَاً أَوْ أَرْخَى سِتْرَاً
فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ
[عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللهُ عَنْه] وهو مروى عنه من طرق:
[الطريق الأولى] سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عنه، وهى أصحها وأمثلها
قال يحيى بن يحيى ((الموطأ)) (971): عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي الْمَرْأَةِ إِذَا تَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ: أَنَّهُ إِذَا أُرْخِيَتِ السُّتُورُ، فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ.
وأخرجه كذلك الشافعى ((الأم)) (7/ 223)، والبيهقى ((الكبرى)) (7/ 255) عن مالك.
وتابع مالكاً عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: عبدُ الْمَلِكُ بْنُ جُرَيْجٍ، وهُشَيْمُ بْنُ بشير، وصرَّح كلاهما بالسماع، وسفيان الثورى، ويَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وسليمان بن حيان أبو خالد الأحمر.
¥