تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا فِيهِ دليل عَلَى أن المأموم ينظر إلى إمامه، ويراعي أقواله فِي قيامه؛ لأنهم إنما شاهدوا اضطراب لحية النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي صلاته بمدهم بصرهم إليه فِي قيامه.

وهذا قَدْ يقال: إنه يختص بالصلاة خلف النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، لما يترتب عَلَى ذَلِكَ من معرفة أفعاله فِي صلاته فيقتدي بِهِ، فأما غيره من الأئمة فلا يحتاج إلى النظر إلى لحيته، فالأولى بالمصلى وراءه أن ينظر إلى محل سجوده، كما سبق.

الحَدِيْث الثاني:

747 حَدَّثَنَا حجاج: ثنا شعبة، أنبأنا أبو إِسْحَاق، قَالَ: سَمِعْت عَبْد الله بْن يزيد يخطب: حَدَّثَنَا البراء رضي الله عنه وكان غير كذوب -، أنهم كانوا إذا صلوا مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه من الركوع، قاموا قياماً حَتَّى يروه قَدْ سجد.

قَدْ سبق هَذَا الحَدِيْث فِي ((بَاب: متى يسجد من وراء الإمام)) من حَدِيْث سُفْيَان، عَن أَبِي إِسْحَاق، وهاهنا خرجه من رِوَايَة شعبة: أنبأنا أبو إِسْحَاق.

ومراد شعبة بقوله: ((أنبأنا)) كقوله: ((أخبرنا)) أو ((حَدَّثَنَا))، وليس مراده صلى الله عليه وسلم كما يقوله المتأخرون -: الإجازة.

وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أن المأموم يراقب حال إمامه فِي ركوعه وسجوده؛ ليسجد بعد سجوده، وتقع أفعاله بعد أفعال إمامه، وهذا حكم عام فِي جميع النَّاس، فإن اقتداء المأموم بأفعال إمامه الَّتِيْ يشاهدها أولى من الاكتفاء بمجرد سماع تكبيره؛ فإنه قَدْ ينهي تكبيره قَبْلَ أن ينهي فعله، فلذلك كانوا يراعون تمام سجود النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واستقراره عَلَى الأرض، حَتَّى يسجدوا بعده.

قَالَ أصحابنا وغيرهم: ولهذا المعنى كره أن يكون موقف الإمام أعلى من المأموم؛ لأن المأموم يحتاج إلى رفع بصره إلى إمامه، فإذا كَانَ عالياً عَلِيهِ احتاج إلى كثرة رفع بصره، وَهُوَ مكروه فِي الصلاة.

الحَدِيْث الثالث:

748 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل: حَدَّثَنِي مَالِك، عَن زيد بْن أسلم، عَن عَطَاء بْن يسار، عَن عَبْد الله بْن عَبَّاس، قَالَ: خسفت الشمس عَلَى عهد رَسُول اللهصلى الله عليه وسلم، فصلى، قالوا: يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، رأيناك تناولت شيئاً فِي مقامك، ثُمَّ رأيناك تكعكعت؟ قَالَ: ((إني رأيت الجنة فتناولت مِنْهَا عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدنيا)).

قَالَ الخطابي: التكعكع التأخر، واصله فِي الجبن. كع الرَّجُلُ عَن الأمر إذا جبن وتأخر. وأصله: تكعع، فأدخل الكاف لئلا: يجمع بَيْن حرفين.

ويقال: كاع يكيع: مثله. انتهى.

وفي الحَدِيْث: دليل عَلَى أن رفع بصر المصلي إلى مَا بَيْن يديه، ومد يده لتناول شيء قريب مِنْهُ لا يقدح فِي صلاته.

وليس فِيهِ نظر المأموم إلى إمامه، إنما فِيهِ نظر الإمام إلى مَا بَيْن يديه، وقد تقدمت الإشارة إلى أن هَذَا النظر والتناول ليس هُوَ مَا يكره فِي الصلاة؛ لأنه نظر إلى الآخرة لا إلى الدنيا، ومد يده إلى العنقود كَانَ فِيهِ مصلحة دينية، ليري أصحابه بعض مَا وعدوا به عياناً فِي الجنة، لكنه أوحي إليه أن لا يفعل؛ فإنه كَانَ يصير الغيب شهادة، فتزول فائدة التكليف بالإيمان بالغيب.

وقوله: ((فتناولت مِنْهُ عنقوداً)). يعني: أَنَّهُ مد يده يريد تناول العنقود، ولكنه لَمْ يتناوله، ولهذا قَالَ: ((لَوْ أخذته لأكلتم مِنْهُ)).

وقوله: ((لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدنيا)) إشارة إلى أن مَا فِي الجنة لا ينفد؛ فإنه كُلَّمَا أكل مِنْهُ استخلف فِي الحال مثلاه.

وفي رِوَايَة أخرى: ((لأكل مِنْهُ من بَيْن السماء والأرض، لا ينقصونه شيئاً)).

ولهذا يروى أن الطير يمر بأهل الجنة، فيشتهونه، فيخر بَيْن أيديهم، فيأكلون مِنْهُ مَا يشاءون ثُمَّ يطير، والكأس يشربون مَا فِيهِ ثُمَّ يعود ممتلئاً فِي الحال، لا حرمنا الله خير مَا عنده بشر مَا عندنا بمنه ورحمته.

الحَدِيْث الرابع:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير