قلت: والحديث محتمل من كلا طريقيه، فإنَّ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي تابعى مخضرم ((ولد في عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمه سلمى بنت عميس، فهو أخو أولاد حمزة بن عبد المطلب لأمهم، وابن خالة أولاد جعفر، وكذا محمد بن أبي بكر، وبعض ولد علي أمهم أسماء بنت عميس. وروى عن: أبويه، وخالاته ميمونة أم المؤمنين وأم الفضل زوج العباس وأسماء بنت عميس، وعمر، وعلي، وابن مسعود، ومعاذ، وطلحة، والعباس بن عبد المطلب وغيرهم. روى عنه جماعة من كبار التابعين: كربعى بن حراش، ومن أوساطهم: كطاوس، ومن صغار التابعين: كسعد بن إبراهيم، وأبي إسحاق الشيباني، والحكم بن عتيبة وغيرهم. قال الميموني: سئل أحمد: أسمع عبد الله بن شداد من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا؟، قال: لا وقال العجلي: من كبار التابعين وثقاتهم. ووثقه الجماعة، وحديثه في ((الصحيحين)) قاله الحافظ ابن حجر فى ((الإصابة)) (5/ 13).
ورجال إسناديه موثقون. وموسى بن يعقوب الزمعى صالح الحديث لا بأس به، وإنما أنكروا عليه روايته عن مشايخ مجاهيل. قال أبو أحمد بن عدى (6/ 342): ((لا بأس به، وبرواياته)).
قال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (8/ 168/745): ((قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول: موسى بن يعقوب الزمعي ثقة)). وذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (7/ 458/10919). وذكره ابن شاهين فى ((تاريخ معرفة الثقات)) (1/ 221) فقال: ((موسى بن يعقوب الزمعى ثقة)).
وأما عبد الله بن كيسان، فهو مولى طلحة بن عبد الله بن عوف الزهرى. ذكره ابن حبان فى ((الثقات)) (7/ 49/8954). وقال الحافظ الذهبى ((الكاشف)) (1/ 590): ((وثق)).
وقال الحافظ ابن حجر ((التقريب)) (1/ 319/3559): ((مقبول من الخامسة)). ولا يغيبنَّ عنك أنَّ الحافظ وصف بهذا القول أربعةً ممن احتج بهم مسلم فى ((صحيحه))، وهاك بيانهم وبيان أحاديثهم:
[الأول] عمر بن عبد الرحمن بن محيصن القرشى، أبو حفص المكى
قال مسلم فى ((كتاب البر والصلة)): حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبْي شَيْبَةَ كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ))، بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا)). قَالَ مُسْلِمٌ: هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
[الثانى] يحيى بن يزيد الهنائى، أبو نصر البصرى
قال مسلم فى ((كتاب صلاة المسافرين وقصرها)): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كِلَاهُمَا عَنْ غُنْدَرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الْهُنَائِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قَصْرِ الصَّلاةِ، فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاثَةِ فَرَاسِخَ ـ شُعْبَةُ الشَّاكُّ ـ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
[الثالث] يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمى
قال مسلم فى ((كتاب البيوع)): حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ نُعَيْمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْحُقُولِ. فَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: الْمُزَابَنَةُ الثَّمَرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحُقُولُ كِرَاءُ الْأَرْضِ.
[الرابع] أبو عصام البصرى، قيل: اسمه ثمامة
قال مسلم فى ((كتاب الأشربة)): حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ح و حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا، وَيَقُولُ: ((إِنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ)).
قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلاثًا.
وحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ فِي الإِنَاءِ.
فهؤلاء أربعة من رواة الصحيح، ممن نعتهم الحافظ بقوله ((مقبول من الخامسة))، أفليس يُحمل قوله ذا على توثيقه إيَّاهم، مع علمه بأن مسلماً أخرج أحاديثهم محتجاً بها فى ((صحيحه))؟!.
ومن نوافل الإفادة، أن أذكِّرك بستةٍ من رواة ((السنن الأربعة))؛ ممن وصفهم الحافظ بقوله ((مقبول من الخامسة))، وصحَّح الأئمة أحاديثهم، وأطلق الحافظ الذهبى القول بتوثيقهم فى مقابلة قول ابن حجر عنهم ((مقبول))، فهاكهم:
يتبع إن شاء الله تعالى.
¥