وتسميتنا لذلك بالحسن جري على قول بعضهم - كما في التدريب - إن الحسن هو الذي فيه ضعف قريب محتمل. وعلى قول البغوي: إن ما في السنن من الحسان فإن هذين القولين متجهان فيما نراه وإن اشتهر تفسير الحسن بغيرهما
قال الإمام النووي في (التقريب): وقد جاء عن أبي داود أن يذكر في (سننه) الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 30]
(1) قلت: بعد أن عرفت صحة إسناد الحديث واتصاله فلا أرى من المفيد التوسع في تطريق الاحتمالات البعيدة في سبيل الدفاع عنه فغن المتقرر في علم المصطلح هو أن الحديث المنقطع من أنواع الحديث الضعيف لجهالة الراوي الساقط ولا أعلم أحدا من المصنفين في المصطلح صرح بقبول مراسيل الثقات هكذا مطلقا بل فيه خلاف مشهور مذكور في محله وما ذكره من الأحاديث المنقطعة في (مسلم) لا ينفي القدح المذكور ما دام أنه تبين وصلها من وجه آخر وإلا فلولا ذلك لثبت القدح فتأمل
[30]
كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح
(قال النووي): فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود لأن الصالح للاحتجاج لا يخرج عنهما بل قال ابن رشيد: إنما سكت عليه (أبو داود) قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن كذلك عند غيره (1) (انظر التدريب)
وبعد فإن رجال حديث ثوبان كلهم ثقات مرضوين كما يعلم من مراجعة أسمائهم من طبقات الرجال وقد عرفت الجواب عن شبهة الانقطاع فيه فقوي وحسن وصلح للاحتجاج به. والحمد لله
الشبهة الثانية:
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 31]
(1) قلت: لا شك عند العارفين بهذا العلم الشريف أن في (أبي داود) ما إسناده صحيح وإنما ينبغي النظر فيما اشتهر عند المتأخرين أن ما سكت عنه أبو داود فهو صالح للاستدلال به كما تقدم عن المؤلف فاعلم أن قول أبي داود (. . . . فهو صالح) كما نقله (التدريب) يحتمل أنه يعني أنه صالح للاحتجاج به: وعليه جرى النووي ويحتمل أنه يعني أنه صالح للاستشهاد به لأنه ليس شديد الضعف وهو الذي اختاره أمير المؤمنين في الحديث الحافظ العسقلاني وهو الصواب الذي أراه لأمور كثيرة لا مجال لذكرها الآن ولكن لا بد من لفت النظر إلى قول أبي داود: (وما كان فيه وهن شديد بينته). فإن مفهومه أن ما كان فيه وهن غير شديد لا يبينه أي يسكت عنه فينتج من ذلك أن هذا هو المراد بقوله بعد: (وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح). فتأمل وتحر الصواب ولا تغتر بما اشتهر بين الناس
[31]
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 32]
بحث بعضهم بأن الدليل من هذا الحديث أخص من الدعوى لأن الحديث يدل على جواز المسح على التساخين في حالة البرد خاصة لأنه جواب السائل في تلك الحالة
و (الجواب) أنه تقرر في علم الأصول أن (اللفظ العام الوارد على سبب خاص يحمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه). قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي: والدليل عليه هو (أن الحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون السبب فوجب أن يعتبره عمومه). وحاصل القاعدة في هذا أن (اللفظ الذي يستقل بنفسه يعتبر حكمه فإن كان خاصا حمل على خصوصه وإن كان عاما حمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه). وما يقال في العام يقال في المطلق لاشتراكهما في الأحكام كما تقرر في الأصول وتقرر أيضا أن (ترك الاستفصال في حكاية الحال ينزل منزلة العموم في المقال)
ولا يقال: إن الفعل المثبت لا عموم له كما أطلقه الأصوليون لأنه يقال: إن إطلاقهم مقيد بغير نحو أمر أو نهي لأن هذا ليس حكاية لفعله حتى يقال: إنه لم يقع إلا على صفة واحدة بل حكاية لصدور أمر بشيء أو نهي عنه عاما في أقسامه البتة كما اختاره ابن الحاجب وبسطه في المطولات. ثم إن ما ورد من مسحه صلوات الله عليه على الجوربين وهما من التساخين - غير مقيد بحالة
[32]
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 33]
لا أمرا منه ولا فعلا وكذا ما صح من مسحه صلوات الله عليه في الوضوء على عمامته - وهي من العصائب - غير مقيد بحالة دون أخرى وسيأتي مزيد لهذا البحث إن شاء الله
الشبهة الثالثة:
¥