له بالصحة إذ تلقاه الناس بالقبول (1) وإن لم يكن له إسناد صحيح (2) قال أبو الحسن ابن الحصار في تقريب المدارك على موطأ مالك: قد يعلم الفقيه صحة الحديث - إذا لم يكن في سنده كذاب - بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به ا. ه. ويسمى هذا (الصحيح لغيره) والصحيح لغيره نظير الصحيح لذاته في الاحتجاج به والعمل بمقتضاه والأخذ بعمومه وخصوصه وإطلاقه وتقييده
ولمعرفة صحة الحديث من جهة غير السند طرق ومدارك
(1) اعلم أن (ال) في قوله (الناس) للعهد لا للاستغراق فلا يدخل فيه غير أهل العلم بالحديث فكم من حديث تلقاه الفقهاء أو غيرهم بالقبور وهو منكر مردود عند علماء الحديث مثل حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله قال: فإن لم تجد قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم. الحديث. فإنه منكر كما قال إمام الأئمة البخاري رحمه الله تعالى وهو مخرج عندي في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)
ثم إنه لا يكفي القيد السابق وهو (أهل الحديث) بل لا بد أن يضم إليه قيد آخر ألا وهو اتفاقهم عليه كما يشير إليه ما نقله السيوطي في (التدريب) (1/ 67) عن الإسفرايني أنه قال:
(تعرف صحة الحديث إذا اشتهر عند أمة الحديث بغير نكير منهم)
(2) قلت: مفهومه أنه لا بد أن يكون له إسناد ما ولكن لا يجز أن يكون ضعيفا جدا كما يشير إليه كلام أبي الحسن بن الحصار الآتي في الكتاب فالحديث الملتقى بالقبول لا يكون صحيحا إلا إذا كان له إسناد صالح للاعتبار به. فهو الذي يتقوى بالتلقي. فاحفظ هذا فإنه مهم جدا
[42]
يدريها الفقيه المجتهد كما قرره ابن الحصار
وبهذا نجيب عما نقول بصحته مما لم يخرجه الإمام البخاري وذلك أن البخاري إنما خرج ما صح من طريق السند ولم يخرج ما صح مطلقا ولذا قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحالة الطول وكذا قال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ما أجمعوا عليه. ولذا قال النووي في التقريب: ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه (1). على أن ظاهر كلامهما أنهما تركا ما صح من جهة السند أيضا الذي هو وجهة المحدث خيفة الطول فأحرى أن يكونا تركا ما صح لغير السند وهو الصحيح لغيره وذلك لأن الصحيح لغيره ليس له قاعدة مطردة وإنما هو أمر يعرفه سديد الرسوخ في الأصول والفروع النهم بدرس الهدى النبوي ومعرفة سر التشريع ودرك حقيقة الفقه في الدين
وقد كان بعض المحققين يسمي هذه الطريقة بطريقة (قبول الأخبار بالاستدلال) ليعادل ما بحثه الأصوليون في مسألة (رد الأخبار بالاستدلال) كما تراه مبسوطا في المسودة وغيرها من مطولات الأصول. وعبارة المسودة: مما رجح فيه الخبر ويقدم أن يعتضد بعموم كتاب أو سنة أو قياس أو معنى عقلي
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 43]
(1) ص 28 تقريب وشرحه التدريب
[43]
وقد ذهب كثير من أئمة الأصول إلى أن الحديث الملتقى بالقبول يفيد العلم والحديث الذي عضده عمل الصحب وكذا ما اختلفوا فيه بين آخذ به ومؤول وما يوافق آية من كتاب الله تعالى أو قاعدة وأصلا من أصول الدين والمعرفة أو يوافق مشروعا موافقة تصحح المشابهة بينهما (كما تراه في جمع الجوامع وغيره ومطولات مصطلح الحديث)
إذا تقرر هذا فحديث الجوربين مما تلقى بالقبول (1) وعضده عمل الصحب عليهم رضوان الله ووافق آية {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم} على قراءة الجر والنصب إذا رجعت إليه ويندرج تحت قاعدة رفع الحرج ويوافق مسح الخف وجميع هذه مما يصحح المروي أيما تصحيح
وبالجملة فقد اجتمع في حديث الجوربين الصحتان معا: صحته من حيث السند كما صرح به الترمذي وابن حبان وكما حققناه من درء الشذوذ المزعوم فيه وصحته من غير السند وهي الأمور التي سردت الآن ومتى صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 44]
¥