(1) قلت: قد عرفت مما سبق أن الحديث الملتقى بالقبول لا يكون صحيحا لا بشرطين أحدهما أن يشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم: وهذا الحديث وإن كان إسناده صحيحا عندنا فقد أنكره من عرفت من كلام المؤلف والشيخ أحمد شاكر. وحينئذ لا أرى أن يقال: أنه مما تلقى بالقبول. بل منهم من قبله ومنهم من رده. والحق مع الأولين قطعا. والحجة إسناده الثابت. نعم يعضده ويزيده قوة جريان عمل الصحابة عليه كما سيأتي
[44]
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 45]
وأما قول النووي: إنه لو صح يحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين الأدلة فمطلوب البيان من جهة الجورب فأين الدليل على اشتراط أن يمكن تتابع المشي عليه فيه؟ ومعلوم أن الجورب غير الخف ولكل حكمه وإذا أطلق الدليل في الأصول فلا ينصرف إلى الكتاب والسنة وما رجع إليهما ولا تعارض إلا بين دليلين متكافئين وهناك يلتمس الجمع وإلا فإن المدار على الأقوى فالأقوى اتفاقا وليس في الباب إلا إطلاق الجوربين وعموم التساخين في حديثهما
وأما قوله: وليس في اللفظ عموم يتعلق به فيقال فيه: هذا إشارة إلى ما ذكر في الأصول من أن الفعل المثبت لا عموم له فحكايته لا تقتضي العموم لا للأقسام ولا لجهات الوضع ولا للأزمان
إلا أن هذا على مذهب من لم يقل بعموم المشترك ولا بعموم جهات الوضع فأما من ذهب إلى العموم فيهما فقد ذهب إلى العموم فيه
كذلك قيد المحققون دعوى عدم العموم فيه بما إذا لم يوجد في ظاهر اللفظ دليل العموم كلام الاستغراق (كالجوربين والتساخين) وإلا فإنه يفيد العموم ودليلهم أن المحكي عنه صلى الله عليه وسلم واقع على صفة معينة فيكون في معنى المشترك فإن رجح بعض الوجوه فذاك وإن ثبت
[45]
التساوي فالبعض بفعله والباقي بالقياس عليه
وقد اعترض بأن فعله صلى الله عليه وسلم إنما وقع بحال معين. وأجيب بعدم التسليم لجواز أن تتعدد جهات وقوع الفعل كما أوضحه العلامة الفناري في (فصول البدائع)
وأما قوله: إن البيهقي حكى عن النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة وكأنه قال مسح على جوربيه المنعلين فيعني بذلك ما قاله البيهقي في سننه وقد حكى ذلك ثم قال بعده: وقد وجدت لأنس أثرا يدل على ذلك فأسند عنه أنه مسح على جوربين أسفلهما جلود وأعلامها خز. اه. (1)
وتعقبه العلامة علاء الدين المارديني في (الجوهر النقي) بقوله: الحديث - أي حديث المغيرة - ورد بعطف النعلين على الجوربين وهو يقتضي المغايرة فلفظه مخالف لهذا التأويل وكون أنس مسح على جوربين منعلين لا يلزم منه أن يكون النبي عليه السلام فعل كذلك فلا يدل فعل أنس على تأويل الحديث بما لا يحتمله لفظه. اه
وقال ابن الهمام في فتح القدير في رد هذا التأويل: إن تخصيص الجواز بوجود النعل حينئذ قصر للدليل - أعني الحديث - والدلالة عن مقتضاه بغير سبب. اه. أي بغير
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 46]
(1) قلت: وسنده عن البيهقي (1/ 285) جيد والتعقب الآتي عن المارديني قوي جدا
[46]
ما يدعو له لا من لفظه ولا من مقتضاه فإن صريحه أنه صلوات الله عليه مسح على الجوربين وعلى النعلين كلا على انفراده وأيده في النعلين أحاديث كثيرة مخرجة في دواوين السنة:
1 - فروى الإمام أبو داود في سننه عن أوس بن أبي أوس الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه
2 - وأخرج الإمام أحمد في سننه عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت أبي يوما توضأ فمسح على النعلين فقلت له: أتمسح عليهما؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل
3 - وأخرج الإمام أحمد أيضا عن أوس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ثم قام إلى الصلاة
4 - وأخرج الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره عن أوس أيضا قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فتوضأ ومسح على قدميه (أي على نعليه فيهما ليوافق روايته السالفة) (1)
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 47]
(1) قلت: وأولى من هذا التأويل أن يقال: على نعليه وقدميه. فانه الموافق للرواية الأولى حرفيا
¥