قال الإمام ابن القيم (1) من لم يقف مع النصوص فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه ويقول: هذا قياس ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه عن حكمه ويقول: هذا تخصيص ومرة يترك النص جملة ويقول: ليس العمل عليه أو يقول هذا خلاف القياس أو خلاف الأصول. ثم قال: ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن ولا نرى خلاف السنن والآثار إلا عند أصحاب الرأي والقياس فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به وكم من أثر درس حكمه بسببه فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 73]
(1) أعلام الموقعين جزء 1 صفحة 299
[73]
على عروشها معطلة أحكامها معزولة عن سلطانها وولايتها لها الاسم ولغيرها الحكم وإلا فلماذا ترك حديث المسح على الجوربين (إلى آخر ما قاله وعدده. فانظره) أي مع أنه ثبت في السنة بل اقتضاه القياس أيضا كما ستراه في كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
مذهب الظاهرية في المسح على الجوربين
قال الإمام ابن حزم نور الله مرقده في كتابه (المحلى):
اشتراط التجليد لا معنى له لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا قياس ولا قول صاحب. والمنع من المسح على الجوربين خطأ لأنه خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف الآثار ولم يخص عليه السلام في الأخبار التي ذكرنا خفين من غيرهما. اه. (1). يؤيده أن كل المروي في المسح على الجوربين مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه قيد ولا شرط ولا يفهم ذلك لا من منطوقه ولا من مفهومه ولا من إشارته وجلي أن النصوص تحمل على عمومها إلى ورود مخصص وعلى إطلاقها حتى يأتي ما يقيدها ولم يأت هنا مخصص ولا مقيد لا في حديث ولا أثر. هذا (أولا). و (ثانيا) قدمنا أن الإمام أبا داود روى في سننه عن عدة من الصحابة المسح على الجوربين مطلقا غير مقيد كما قدمناه وهكذا كل من نقل عن الصحابة
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 74]
(1) كذا في المحلى (2/ 87)
[74]
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 75]
والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين المسح على الجوربين لم يروه بقيد ولا شرط مما يدل على أن تقييده لم يكن معروفا في عصورهم التي هي خير القرون. و (ثالثا) الجورب بين بنفسه في اللغة والعرف كما نقلنا معناه عن أئمة اللغة والفقه ولم يشرط أحد في مفهومه ومسماه نعلا ولا ثخانة. وإذا كان موضوعه في الفقه واللغة مطلقا فيصدق بالجورب الرقيق والغليظ والمنعل وغيره. والله أعلم
ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في المسح على الجوربين
قال رحمه الله في فتاويه: يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء. ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود. ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بين أن يكون جلودا أو قطنا أو كتانا أو صوفا كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه وغايته أن الجلد أبقى من الصوف فهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قويا بل يجوز المسح
[75]
المسح على الجوربين [جزء 1 - صفحة 76]
على ما يبقى وما لا يبقى
وأيضا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقا بين المتماثلين وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة وما أنزل الله به من كتبه وأرسل به رسله
ومن فرق بكون هذا ينفد الماء منه وهذا لا ينفذ منه فقد ذكر فرقا طرديا عديم التأثير ولو قال قائل يصل الماء إلى الصوف أكثر من الجلد فيكون المسح عليه أولى للصوق الطهور به أكثر كان هذا الوصف أولى بالاعتبار من ذلك الوصف وأقرب إلى الأوصاف المؤثرة وذلك أقرب إلى الأوصاف الطردية وكلاهما باطل
وخروق الطعن لا تمنع جواز المسح ولو لم تستر الجوارب إلا بالشد جاز المسح عيها وكذلك الزربول الطويل الذي لا يثبت بنفسه ولا يستر إلا بالشد اه
¥