يصلي، ولا يقضي، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهي المذهب عند أصحابه كما ذكره المرداوي رحمه الله، وقال به طائفة من أهل الحديث رحمهم الله، وأبي ثور، وأشهب من المالكية، وقال به إبن حزم من الظاهرية.
القول الخامس:
تستحب الصلاة وتجب الإعادة، حكاه الشيخ أبو حامد قولاً للإمام الشافعي في القديم، وذكره الإمام النووي عنه، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها صاحب الإنصاف.
الأدلة:
أدلة القول الأول: [لا يصلي، ويقضي]
أ – دليلهم على إسقاط الصلاة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا صلاة إلا بطهور]، ووجه الدلالة من الحديث: أن الحديث دل على أن الصلاة لا تصح بدون طهارة فدل على أن فاقد الطهورين لا تصح منه الصلاة فتسقط عنه شرعاً، واستدلوا كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم عند أصحاب السنن، وأحمد: [مفتاح الصلاة الطهور]، ووجه الدلالة منه كما بينا في الحديث السابق.
وإستدلوا من العقل بالقياس من وجهين:
الوجه الأول: أن عدم الطهارة أصلاً وبدلاً يمنع من إنعقاد الصلاة كالحائض.
الوجه الثاني: أن كل صلاة لم يسقط عنه الفرض بفعلها لم يلزمه الإتيان بها كالمحدث مع وجود الماء، وذكر الكاساني رحمه الله عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله: (أن الطهارة شرط أهلية أداء الصلاة فإن الله جعل أهل مناجاته الطاهر لا المحدث).
فقال أصحاب هذا القول: نسقط عنه الصلاة لأن الصلاة لا تجب في هذه الحالة لفقد الوضوء وفقد التيمم الذي هو بدل عن الوضوء فحينئذ لا يجب عليه أن يصلي الصلاة لعدم وجود القدرة عليهما.
ب – دليلهم على وجوب القضاء: أنه لما خرج الوقت تمكن من الوضوء أو من التيمم فتوجه عليه الخطاب بالفعل.
أدلة القول الثاني: [لا يصلي ولا يقضي]
إستدلوا على مذهبهم من وجهين:
أ – دليلهم على الإسقاط قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُم سُكَارَى حَتّى تَعْلَموا مَا تَقُولُون ولا جُنُبَاً}، ووجه الدلالة: تحريم الصلاة على الجنب.
وقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: [لا يَقْبَلُ الله صَلاةَ بِغيرِ طَهُور] ووجه الدلالة منه: أن ما لا يُقبل لا يُشرع فعله.
واستدلوا كذلك بالقياس على الحائض قبل إنقطاع حيضها.
ولأن عمر رضي الله عنه أجنب ولم يعلم أن الجنب يتيمم فلم يصل.
ب – دليلهم على إسقاط الإعادة:
1 – دليل السنة: أنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر من ذهب للقلادة بإعادة.
2 – دليل العقل: أنه فَعل ما أُمر به فلا إعادة إلا بأمر جديد، والأصل عدم ذلك قياساً على المريض والمسافر يصليان كما أمرا ولا يعيدان.
ولأن الصلاة لا تصح بغير وضوء كما في آية المائدة وهذا الحديث الذي معنا: فلا نقول: إنه يصلي؛ لأنه غير متطهر، كذلك لا نوجب عليه القضاء لأنه إذا سقطت عنه الصلاة أداءً سقطت عنه قضاءً.
أدلة القول الثالث: [يصلي، ويقضي]
واستدلوا بوجوب الصلاة عليه بحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: [أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أسيد بن حضير وأناساً معه في طلب قلادة أضلتها عائشة رضي الله عنها فحضرت الصلاة ولا ماء معهم، فصلوا بغير طهارة، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، فنزلت آية التيمم]، ووجه الدلالة من الحديث: أنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث ليس فيه ذكر أنهم فقدوا التراب وإنما فيه أنهم فقدوا الماء فقط، ولكن عدم الماء في ذلك الوقت كعدم الماء والتراب لأنه لا مطهر سواه.
ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بغير طهارة، ولأن الصلاة لا تسقط عن المكلف بتعذر شرط من شرائطها كتعذر السترة، وإزالة النجاسة.
ومن الأدلة كذلك: قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} ولم يفرق.
ولأنه مكلف بالصلاة عدم شرطاً من شرائطها، فوجب أن يلزمه فعلها كالعريان.
ومن الأدلة كذلك أنه وجب عليه أمران:
الأمر الأول: الطهارة. والأمر الثاني: فعل الصلاة فلما سقط عنه الوضوء وجب عليه فعل الصلاة، ثم إنه قد فعل الصلاة بغير طهور فنوجب عليه القضاء من هذا الوجه إعمالاً للنصوص كلها.
¥