ولأنه تطهير لو قدر عليه لزمه فعله لأجل الصلاة، فإذا عجز عنه لزمه فعل الصلاة.
وذكر الإمام الماوردي رحمه الله أصل هذه المسألة: إذا كان على بدنه نجاسة عجز عن إزالتها بالماء، لأنه لا فرق بين ان يعجز عن إزالة النجاسة لفقد الماء، وبين أن يعجز عن تطهير الحدث بالتراب والماء.
ولأن كل عبادتين كانت إحداهما شرطاً في أداء الأخرى عند التمكن منها لم يكن العجز عن الشرط مسقطاً فرض المشروط لها، كالتوجه والقراءة وستر العورة.
وقالوا أن الإعادة تجب عليه: لأن هذا عذر نادر غير متصل، فلم يسقط فرض الصلاة معه، كما لو صلى بنجاسة نسيها.
وأيضاً لأن الإعادة على التراخي، ولا يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
أدلة القول الرابع: [يصلي، ولا يقضي]
احتج الإمام أحمد رحمة الله عليه بحديث عائشة السابق، ويعتبر نصاً في موضع النزاع، حيث إنه لما حضرت الصلاة وليس عندهم ماء صلوا بغير وضوء ثم قدموا على رسول الله-?-فلم يعنفهم ولم يوبخهم.
ووجه عدم الإعادة كما ذكر بعضهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بقضاء الصلاة فدل على عدم وجوب الإعادة عليهم.
واستدلوا كذلك بقوله تعالى: {فاتقوا الله ما إستطعتم}، وقوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما إستطعتم]، ووجه الدلالة من هذه النصوص: أنه لا يلزمنا من الشرائع إلا ما استطعنا، وأن ما لم نستطعه فساقط عنا، وصح أن الله تعالى حرم علينا ترك الوضوء أو التيمم للصلاة إلا أن نضطر إليه، والممنوع من الماء والتراب مضطر إلى ما حرم عليه من ترك التطهر بالماء أو التراب، فسقط عنا تحريم ذلك عليه، وهو قادر على الصلاة بتوفيتها أحكامها وبالإيمان فبقي عليه ما قدر عليه، فإذا صلى كما ذكرنا فقد صلى كما أمره الله تعالى، ومن صلى كما أمره الله تعالى فلا شيء عليه.
أدلة القول الخامس: [يصلي إستحباباً، ويقضي]
إستحبوا الصلاة خروجاً من الخلاف، وبالأدلة السابق ذكرها في أدلة القائلين بالصلاة.
سبب الخلاف:
قال الإمام القرافي رحمه الله: (قال إبن بشير: منشأ الخلاف هل الطهارة شرط في الوجوب أو في الأداء؟
فمن رأى أنها شرط في الوجوب لم يوجب الصلاة في الحال، وهذا مشكل منه رحمه الله، فإن الأمة مجمعة على أن الوجوب ليس مشروطاً بالطهارة، وإلا لكان لكل مكلف أن يقول: أنا لا تجب علي الصلاة حتى أتطهر وأنا لا أتطهر فلا يجب علي شيء، لأن وجوب الطهارة تبع لوجوب الصلاة، فإذا سقط أحدهما سقط الآخر، لأن القاعدة أن كل ما هو شرط في الوجوب كالحول مع الزكاة والإقامة مع الجمعة والصوم لا يتحقق الوجوب حالة عدمه، ولا يجب على المكلف تحصيله، فإن كان مراده أمراً آخر فلعله يكون مستقيماً) اهـ.
* الترجيح:
الذي يترجح والعلم عند الله هو القول الرابع: أنه يصلي ولا يعيد، وذلك لصحة ما استدل به أصحاب هذا القول ودلّ على رجحانه حديث عائشة رضي الله عنها الصحيح الذي هو نص في محل النزاع في قصة نزول آية التيمم حينما ضاع عقدها رضي الله عنها وإلتمسه الصحابة رضي الله عنهم، وحضرت الصلاة بعضهم، وليس عنده ماء فصلى، ثم لما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه، فصوّب فعلهم، ولم يأمرهم بالإعادة، وقد صلّوا بدون وضوء، ولا تيمم، لأن التيمم لم يشرع بعد، فدل على أن من فقد الطهورين صلى، ولا تلزمه إعادة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بها.
وأما إيجاب الطهارة للصلاة وعدم صحتها بدونها فيجاب عن أدلته بأنها عامة، وحديثنا خاصٌ في موضع النزاع والقاعدة لا تعارض بين عام وخاص.
وأما القياس على الحائض فيجاب عنه بأن الحائض لا تجب عليه الصلاة أصلاً، ولذلك سقط عنها الأداء والقضاء، ولم يتوجه عليها خطاب بالتكليف بخلاف مسألتنا حيث إن التكليف باقٍ على الأصل فصار قياساً مع الفارق.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .... ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثبت الحواشي:
- صحيح البخاري: كتاب الإيمان: حديث رقم 8، صحيح مسلم: باب أركان الإسلام ودعائمه العظام: حديث رقم 16.
- رواه أبو داود: باب زكاة السائمة: حديث رقم 1584.
¥