والله تعالى أعلم".
وقد كتبت في التعقيب على فضيلته ما نصه:
"وأما المسألة الأخرى وهي قراءة القرآن في المقابر فالصحيح أنها بدعة، حتى أن الشيخ ابن باز أفتى بقفل مذياع السيارة إذا وصل المشيع المقبرة وكان فيه قرآن يتلى. وكما تعلمون فإن المنع هو المحفوظ عن إمامكم مالك نقله ابن أبي جمرة في شرح مختصر البخاري وعنه الحطاب في مواهب الجليل. ونصوص المالكية في بلغة السالك وغيرها من كتب الموسوعة لاتخفاكم، وأما مخالفة المتأخرين وإحداثتهم فلاينبغي أن يعول عليها كثيراً.
وقد ذكر ابن الحاج في المدخل أربعة وجوه للمنع من القراءة في المقبرة قال في آخرها:
" الرابع: أنه قد يكون قراءة القرآن على قبره سببا لعذابه، أو لزيادته منه؛ لأنه كلما مرت به آية لم يعمل بها فيقال له: أما قرأتها أما سمعتها فكيف خالفتها فيعذب، أو يزاد في عذابه لأجل مخالفته لها كما نقل عن بعض من اتصف بشيء مما ذكر أنه رئي في عذاب عظيم فقيل له: أما تنفعك القراءة التي تقرأ عندك ليلا ونهارا فقال: إنها سبب لزيادة عذابي وذكر ما تقدم سواء بسواء، وقد سمعت سيدي أبا محمد [لا أدري أهو المرجاني أو ابن أبي جمرة] رحمه الله يقول: إن القراءة على القبور بدعة وليست بسنة وإن مذهب مالك الكراهة انتهى".
ومثل مذهب مالك مذهب أبو حنيفة ومتقدمي الحنفية.
وأما الشافعي فقد نُقل عنه ما يفيد الجواز وقد أنكر بعض الأعلام هذا عنه وقول الإمام الشافعي بهذا غريب كما أن إنكار ثبوته عنه غريب فهو مثبت في الأم وعند البيهقي في معرفة السنن والآثار، ولعل ما دعى بعضهم لاستبعاد النقل ما فيه من إشكال لايتوافق مع مذهبه في عدم وصول ثواب القراءة وهذا المحفوظ عنه أخيرا، وجمع بعضهم فقال: " إذ كيف يُجَوِّزُ القراءة ثم يمنع وصولها للميت؟! ولذلك فإني في شكٍّ من ثبوت القول بجواز القراءة على القبر عن الشافعي، ولعله جوزها في صلاة الجنازة فنُقِل عنه خطأ أن ذلك في القراءة على القبر خارج صلاة الجنازة، ولعله قال بالجواز ثم رجع عنه، وهذا يقطع الاحتمالات السابقة، والزعفراني راوي المذهب القديم عن الشافعي ببغداد، وهو الذي نقل هذا القول عن الشافعي كما ترى، وعلى كلٍّ فأنا في شكٍّ من ثبوت الجواز عنه وكونه محفوظًا لما سبق والله أعلم". وأياً ما كان قول الإمام فالعذر له ملتمس والحجة في آية محكمة أو سنة قائمة، والعلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه.
وأما بخصوص ما أورد حول رجوع الإمام أحمد فقد استدل جماعة بما ذكرتم على أن الإمام أحمد رجع عن القول بأن القراءة في المقبرة بدعة، وعلى رأسهم الخلال –وله جزء في إثبات القراءة- حتى حكاه قولاً واحداً عن أحمد، وقد نقل كلامه ابن قدامة في المغني ومال إليه، وأيده المرداوي في الإنصاف.
وأما حجتهم فما نقلتموه ولعله عن المغني: "فروى جماعة أن أحمد نهى ضريرا أن يقرأ عند القبر، وقال له: إن القراءة عند القبر بدعة. فقال له محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله: ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة. قال: فأخبرني مبشر، عن أبيه، أنه أوصى إذا دفن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر يوصي بذلك. قال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يقرأ".
وهذا السند غلط وصوابه فأخبرني مبشر عن عبدالرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه بنحوه. وهو كذلك في طبقات الحنابلة لأبي يعلى وفي المقصد الأرشد وغيرهما، ومعلوم أن مبشر لم تعرف عن والده رواية وليس من أشياخه كما أن والده لايمكن أن يكون قد أدرك ابن عمر رضي الله عنه فإن موته كان في أواخر القرن الثاني.
وأصل هذا الأثر عن الإمام يرويه عثمان بن أحمد الموصلي عن محمد بن قدامة الجوهري.
وعثمان هذا لم أقف له على ترجمة تبين حاله والأقرب أنه مجهول. ولايطعن هذا في أصل الأثر عن ابن عمر ولكن في أصل القصة عن أحمد والسبب هو قول ابن قدامة في المغني أن الأثر رواه جماعة.
ولعله عنى منهم: يحيى بن معين فقد رواه عن مبشر بن إسماعيل كما في تهذيب الكمال عند ترجمة العلاء بن اللجلاج ورواه البيهقي أيضاً من طريقه في السنن الكبرى، ورواه عن مبشر أيضاً علي بن بحر القطان الثقة النبيل كما عند الطبراني.
¥