المصدر: شبكة المشكاة الإسلامية
ملحق (4) فتوى الشيخ عصام الحميدان
حُكم الأناشيد بالمؤثرات الصوتية
كتبه / د. عصام بن عبدالمحسن الحميدان
الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
للجواب عن هذه القضية جانبان شرعيّ، وتربويّ:
أولاً: الجانب الشرعي:
إن الاستماع إلى الآلات الموسيقية عدّه جمهور علماء السلف الصالح من اللهو المنهي عنه بقوله تعالى) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان:6)، وقوله صلى الله عليه وسلّم " كل لهوٍ يلهو به الرجل فهو باطل إلا ثلاثة ... " رواه
وبأقوال وردت عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعارضهم آخرون من القدماء والمحدثين بأن اللهو المنهي عنه ما كان يصدّ عن سبيل الله بنصّ الآية، وبأن الأصل في الأشياء الإباحة، وبما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى غناء جوارٍ – وهما تضربان بالدفّ - في مناسبة (1)، وبأن امرأةً نذرت أن تضرب بالدفّ في فرح، فأمرها بالوفاء بنذرها (2)، وبما ورد أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يستمع للغناء بالآلات الموجودة آنذاك.
ولكلٍّ من أنصار الفريقين ردود ومناقشات للقول الآخر، وترجيحات قابلة للنظر.
ومن هنا يتبين أن مسألة الاستماع للغناء واللهو من مسائل الفروع المختلف فيها، والتي لا تدخل في مسائل الإجماع المتفق عليها.
ويتفق الفريقان على أن الغناء يصبح حراماً إذا استخدم في الصدّ عن سبيل الله، أو الاستهزاء بآيات الله، أو شرعه، أو المؤمنين، أو يتضمن الفحش والفجور، والدعوة للدعارة، أو الاختلاط بين الرجال والنساء، أو صور الفاتنات، أو الرقص المختلط، أو الاستماع للمرأة جميلة الصوت من قبل الرجال بألفاظ الغزل.
بقي أن نعرف هل سبب التحريم في الغناء هو الصوت الحسن، أم الكلام، أم الآلة المستعملة.
الحقيقة أن الصوت الحسن لا يستطيع أحدٌ تحريمه، لأنه هبةٌ من الله تعالى، ومأمور بإظهاره في بعض الحالات كالتغني بالقرآن الكريم، فإذا اقترن به ما يمنع منه كأن يستخدم في الفحش أو الفتنة، كقوله تعالى (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) فيحرم حينئذ.
وهذا الاقتران لا يختصّ بالصوت وحده، بل يشمل كل تصرفٍ إنساني، كالمشي، والإشارة باليد أو بالعين، وغير ذلك، فالأصل في هذه الأشياء الإباحة، وتجب في حالات وتحرم في أخرى.
فثبت أن الصوت الحسن لا يحرم لذاته، وقد كان أنجشة يحدو بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، أي يتغنى ببعض الكلام، ولم ينكر عليه.
والحقيقة الثانية أن الكلام المنظوم لا يستطيع أحدٌ تحريمه لذاته؛ لأنه شعر، والشعر كان ينشد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، بل كان يأمر به أحياناً كما كان يأمر حسان بالشعر، وحتى الشعر الغزلي كان ينشد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، كقول كعب رضي الله عنه: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الغزل العفيف.
ولكن الشعر يحرم إذا استخدم فيما نهى الله عنه، كالصوت تماماً، فثبت أن الكلام المنظوم لا يحرم لذاته.
وبقي القول في الآلات الموسيقية.
وهنا نجد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " رواه البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
فقرن المعازف بالخمر والزنا المجمع على تحريمهما، وأكّد ذلك بقوله " يستحلُّون " مما يدلّ على سبق التحريم.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع صوت زمارة فوضع أصبعيه في أذنيه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع زمارة راعٍ فصنع مثل هذا. رواه الإمام أحمد وأبوداود بسندٍ حسن (نزهة الأسماع في مسألة السَّماع لابن رجب الحنبلي بتحقيق محمود الحداد: صفحة 51).
(انظر أدلة التحريم وترجيحها على أدلة المخالفين في: حكم ممارسة الفنّ في الشريعة الإسلامية لصالح الغزالي: 187، وهي رسالة علمية للماجستير أشرف عليها د. عابد السفياني وناقشها د. صالح بن عبدالله بن حميد ود. سليمان التويجري، وأجيزت بتقدير " ممتاز ")
ونظراً لأن التحريم لا يمكن أن يتوجه إلى الصوت أو الكلام؛ لما ذكرته سابقاً، فيبقى التحريم منصباً في هذا الحديث وغيره على ذات المعازف، وهي الآلات الموسيقية.
فمتى صاحب الأغنية آلات موسيقية حرمت، وإن لم تصحبها آلات فهي كلام، قد يحلّ وقد يحرم بحسب ما يتضمنه، وما يقترن به مما ذكرته آنفاً.
مع العلم أن بعض العلماء ذكر مبررات أخرى لتحريم الغناء غير هذه، لكنها لا تنهض للمناقشة.
بعد هذه المقدمة - التي أراها ضرورية – عن حكم الأغاني، يتساءل القارئ: ما علاقة هذا الشرح بالأناشيد الإسلامية المصحوبة بالمؤثرات الصوتية؟
أقول: إن العلاقة قوية جداً، بل لعل بعض القراء فهموا الجواب مما تقدم، ومن لم يتضح له الجواب أزيد فأقول:
لا شك أن الأناشيد الإسلامية لا يمكن القول بتحريمها إذا خلت عن المؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى؛ لأنها كلامٌ حسن مؤدَّى بتنغيم، وهو جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستمع لمثله أحياناً، ولا ينكره، ولكنه بلا شك ليس خيراً من ا لاستماع للقرآن الكريم، وليس بديلاً عنه،إلا أنه – الاستماع للأناشيد الإسلامية - يفيد في الترويح عن النفس، وشحذ الهمم للطاعات.
فإن صاحبت المؤثرات الصوتية الشبيهة بالموسيقى هذه الأناشيد الإسلامية، حرمت هذه الأناشيد؛ لما تقدم من تحريم المعازف.
فإن كانت هذه المؤثرات ليست شبيهة بالموسيقى، ولا يحصل بها الترنُّم، كأصوات السيارات، وسقوط الأشياء، وكسر الزجاج، فلا مانع منها.
وأما الدفّ فالخلاف فيه معروف، وحكم المؤثرات الصوتية الشبيهة بصوته كحكمه سواء بسواء.
¥