3 - ما رواه أبو إسحاق السبيعي عن امرأته أنها قالت: «إن عائشة أم المؤمنين قالت لها أم محبة أم ولد زيد بن أرقم: يا أم المؤمنين! إني بعت زيد بن أرقم عبداً إلى العطاء بثمانمائة درهم، فاحتاج إلى الثمن فاشتريته منه قبل محل الأجل بستمائة، فقالت عائشة: بئس ما أشريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيداً أنه قد بطل جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن لم يتب. فقالت: أرأيتِ إن تركتُ وأخذتُ الستمائة؟ قالت: نعم! {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] (1).
(ووجه) الاستدلال به من وجهين:
أحدهما: أنها ألحقت بزيد وعيداً لا يوقف عليه بالرأي، وهو بطلان الطاعة بما سوى الردة؛ فالظاهر أنها قالته سماعاً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يلتحق الوعيد إلا بمباشرة المعصية، فدل على فساد البيع؛ لأن البيع الفاسد معصية (2).
والثاني: أنها ـ رضي الله عنها ـ سمت ذلك بيع سوء وشراء سوء، والفاسد هو الذي يوصف بذلك لا الصحيح، وسبب الفساد أن هذا البيع يؤدي إلى الربا (3).
أما مسألة «عكس العِينة»:
فصورتها: أن يبيع السلعة بنقد يقبضه، ثم يشتريها البائع من المشتري بأكثر من الثمن الأول من جنسه نسيئة.
وهذه المسألة اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: التحريم مطلقاً.
وهو مذهب الحنابلة (4).
واستدلوا بأدلة مسألة العينة، ولهذا قال في الفروع عند كلامه عن العينة: «وعكس العينة مثلها» (5).
ولهذا قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: فإن قيل: فما تقولون فيمن باع سلعة بنقد، ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة؟
قلنا: قد نص أحمد في رواية حرب على أنه لا يجوز إلا أن تتغير السلعة؛ لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا؛ فهو كمسألة العينة سواء، وهي عكسها؛ وفي الصورتين قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقداً، لكن في إحدى الصورتين: البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصورة الأخرى: المشتري هو الذي اشتغلت ذمته، فلا فرق بينهما» (6).
القول الثاني: الجواز إذا لم تكن حيلة على الربا.
وهو رواية عن أحمد ـ رحمه الله ـ اختارها الموفق (7).
القول الثالث: الجواز.
وهو جار على أصول الشافعية؛ لأنه إذا جازت عندهم العينة فعكسها من باب أوْلى.
والقول الراجح:
التحريم مطلقاً، سداً لباب الربا.
ومما سبق يتبين أن السمسار إذا باع العميلَ مجموعةً من الأسهم ثم رجع واشتراها منه بثمن مؤجل أكثر منه فهي تنطبق على مسألة عكس العِينة.
الصورة الثالثة: أن يجتمع في العقد بيع ورهن.
مثاله: أن يقوم العميل بشراء الأسهم محل الصفقة، وذلك بدفع 60% من قيمتها نقداً، والباقي مؤجلاً، ومن ثم يقوم السمسار برهن جميع الأسهم محل الصفقة، إلى أن يسدد العميل المبلغ المتبقي عليه.
وتكاد أن تكون هذه الصورة هي الغالبة في التعامل في الأسواق المالية إذا كانت الأسهم مملوكة للسمسار.
وفائدة العميل من هذا العقد: ترقُّب الأسعار؛ فإن ارتفعت ربح، وإن نزلت خسر.
وفائدة السمسار: ما تدره هذه الأسهم من أرباح أثناء تربُّص العميل وانتظاره.
ولبيان حكم هذه الصورة من الشراء بالهامش لا بد من معرفة الحكم الشرعي لثلاث مسائل:
الأولى: حكم حبس المبيع على ثمنه.
الثانية: حكم رهن الأسهم.
الثالثة: حكم انتفاع المرتهن بالرهن؛ وذلك من خلال انتفاعه بما تدره الأسهم من أرباح.
المسألة الأولى: حكم حبس المبيع على ثمنه.
وسبب ذكر هذه المسألة: أن السمسار حبس الأسهم - العَيْن المبيعة - حتى يقوم المستثمر بقضاء الدين الذي عليه بسبب البيع، علماً أن ثمن المبيع منه ما هو حالٌّ ومنه ما هو مؤجل، كما سبق بيانه.
والفقهاء تارة يعبرون عن هذه المسألة بحبس المبيع على ثمنه، وتارة برهن المبيع على ثمنه.
فهل يجوز للبائع أن يشترط على المشتري حبس العين المبيعة على ثمنها؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: لا يجوز حبس المبيع على ثمنه، وهو مذهب الشافعية (8).
القول الثاني: جواز اشتراط حبس المبيع على ثمنه.
وهو قول الجمهور من الحنفية (9)، والمالكية (10)، والحنابلة (11).
والقول الراجح هو قول الجمهور واستدلوا بما يلي:
¥