تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما المتن: فيرجح من هو أقوى في الدلالة: فالمحكم على المفسَّر، والمفسر على النص، والنص على الظاهر والخفي على المشكل، والحقيقة على المجاز، والصريح على الكناية، والعبارة على الإشارة، والإشارة على الدلالة، ومفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة (1).

ومن هذه الفدلكة وما سيأتي بعد ذلك من الأمثلة؛ سيظهر لنا مدى التزام القاضي أبي بكر ابن العربي بقواعد الأصول، وقواعد الترجيح والتوفيق عند تعارض النصوص، وسأسوق في هذا الفصل مثالين من ذلك بإذنه تعالى.

المثال الأول:

قال القاضي ابن العربي: "قال النبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر من حديث ابن عباس إلى قوله فيها: طهرة لصيامكم من اللغو والرفث. خرجه أبو داود" (2).

"وخرّج النسائي عن عبد الله أو ثعلبة بن صُعَير وذكر صدقة الفطر في حديثه المشهور إلى أن قال: "أما غنيكم فيزكيه الله بها، وأما فقيركم فيرد الله عليه أفضل مما أعطى" (3) 0

"وقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن ربيعة وصاحبه حين جاءاه يسألانه ولاية الصدقة، فقالا: نصيب يا رسول الله ما يصيب الناس، ونؤدي ما يؤدون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصدقة لا تحل لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس" (4).

"فإن قيل: هذه أحاديث متعارضة، رويتم في حديث: إن الصدقة طهرة وزكاة. ورويتم في حديث آخر: إنها أوساخ الناس، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم القيء لها مثلا، فقال: العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه (5). ثم رويتم من طريق آخر: إن الصدقة لتقع في كف الرحمن قبل أن تقع في كف السائل، وكف الرحمن يتقدس عن القيء والوسخ؟ ".

"قلنا: هذا مهم من التعارض، وهو ميدان فات علماؤنا الاستباق به، والجواب عنه بديع: وذلك أن الباري تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق بأفصح الكلام، فضرب الأمثال وصرف الأقوال، وسلك في كل شعب من المعاني قدرة على القول، واستلطافا للقلوب في جانبي الرغبة والرهبة اللتين انتظم بهما التكليف وارتبط بهما الثواب والعقاب، وبين الأحكام الشرعية التي بُعث لإيضاحها، فإن المعاني العقلية معلومة لا تفتقر إلى بيانه، ولا تعرض هو أيضا لها".

"وليست الأوصاف الشرعية من حسن أو قبح أو حلال أو حرام أو طاعة أو معصية بصفات لأعيان قائمة بها، كالصفات الحسية من الألوان والأكوان، وإنما هي عبارة عن تعلق خطاب الشرع بالعين على وجه المدح أو في سبيل الذم، فتختلف التسميات على هذه المسميات بحسب اختلاف تعلق خطاب الشارع، وقد مهدنا لذلك في كتاب "الأصول".

"فإذا ثبت هذا؛ فليس يمتنع وصف الشيء الواحد بضدين من أحكام الشرع، فقد تكون عين واحدة حلالا حراما في حالة واحدة في حق شخصين، أو في حالين في حق شخص واحد، فالصدقة طهرة للمال في حق صاحب المال، وقيء إن رجعت إليه، ورزقٌ حسن في يد المستحق إذا حصلت في يديه. ولو بقيت في المال لغيرته وأخبثته. فإذا خرجت عنه خرجت طاهرة في ذاتها فطهرته، أي: منعته من أن يخبث ببقائها فيه، فلا تقع في كف الرحمن إلا وهي طاهرة مطهرة، ولا تبقى عند الغني إلا وتكون خبيثة مخبثة".

"وضرب النبي صلى الله عليه وسلم كف السائل مثلا بكف الرحمن ترغيبا في العطاء وحثا على الصدقة. ولذلك قال بعض علمائنا: إن اليد العليا هي يد السائل، واليد السفلى هي يد المعطي. والتفسير الذي وقع في الحديث من: أن اليد العليا هي المنفقة. فذلك من كلام الراوي وصله بكلام النبي صلى الله عليه وسلم" (6).

فتجد أن القاضي رحمه الله سلك مهيعا فريدا في الجمع بين تلك النصوص المتعارضة الظاهر وذلك عن طريق:

1 - فلسفة اللغة، بذكر رجوع معنى القبح والحسن لأي مصدريه.

2 - القبح والحسن العقلي والشرعي، ولمن يعودان. وهذا مبحث أصولي وكلامي شهير.

3 - إقامة معاني الشرع على الصفة بتغير مصدريها، فالقبح للصدقة غير المدفوعة، والطهارة للصدقة المدفوعة. فنفس المتغيران مقامان على ثابت واحد.

4 - إعماله للصنعة الحديثية من حيث حكمه الإدراج على زيادة تعريف اليد العليا واليد السفلى في الصدقة.

المثال الثاني:

وهذا المثال في جمعه لما يظهر من التناقض في أحاديث قبلة الصائم زوجه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير