ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[27 - 01 - 06, 06:59 ص]ـ
الجواب على أدلة القائلين بجواز التقنين:
ولأن الكتابات المؤيدة للتقنين يمكن إجمال وتلخيص ما يرون أنها أدلة للتقنين، وحتى لا يظن أنها أدلة صحيحة الدلالة، فلا من بيان الموقف منها ووضعها في الميزان الشرعي.
فقد استدل القائلون بالتقنين بما يلي:
1. أن فيما يصدر من بعض القضاة ما يلفت النظر و يدعو إلى البحث من صدور أحكام قد يظن بعض الناس أنها متناقضة مع أن قضاياها متماثلة و هي في الحقيقة ليست كذلك مما قد يدعو إلى اتهام القضاة باتباع الهوى، أو رميهم بالقصور في تطبيق أحكام الشريعة على ما يرفع لهم من القضايا.
ونوقش بأن تدوين الأحكام على الوجه المقترح لإلزام القضاة الحكم به ليس طريقا للإصلاح و لا يحل المشكلة و لا يقضي على الخلاف في الأحكام أو على ظنون بعض الناس في القضاة ما دام هناك محكوم عليه لأن اتهام القاضي في حكمه لم يسلم منه أحد حتى خير الخلق صلى الله عليه و سلم فقد قال له بعض الناس: ((اعدل فإنك لم تعدل))، و في رواية: ((إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله)).
وقد وجد الاختلاف في الأحكام في عهد الخلفاء الراشدين و السلف الصالح حتى من القاضي الواحد في قضيتين متماثلتين ظهر له في الثانية ما لم يظهر له في الأولى فحكم به و لم ينقض حكمه السابق، و لم يكن ذلك داعيا إلى التفكير في مثل التدوين المقترح و لا إلزام القضاة الحكم بقول واحد و هم كانوا أحرص منا على حفظ الدين و على سمعته و سمعة المسلمين ما وسعهم، و لا يجوز أن يكون هذا الاختلاف مثار ريبة و تهمة للقاضي فالأصل فيمن يختار للقضاء أن يكون عالما أمينا على مستوى المسئولية.
كما أَنَّهُ إذا رُفِعَ الخلافُ في المحاكم بين القضاة بـ «التّقنين» المزعوم! فلا يُستطاعُ رَفْعُه إِطْلاقًا بين العلماء المعاصرين خارج القضاء! فما يصنع الناسُ إذا حُكِمَ لِأَحَدٍ بإثبات أَمْرٍ ما، وسَمِعَ عَالِمًا من العلماء الُمعْتبرين المعاصرين نَفْيَهُ؟! ألا يُحْدِثُ ذلك اضطرابًا في نفسه في ثبوتِ ما حُكِمَ له به؟! ويخشى أَنْ يكون القاضي قد حكم له بشيء لا يَصِحُّ له؟!
فَإِنْ كانتِ العامَّةُ تُدْرِكُ أَنَّ هذا من باب اختلاف العلماء الاجتهاديّ. فَهُمْ يُدْرِكُونَ أيضًا أَنَّ اختلاف أحكام القضاة في المحاكم مِنْ هذا الباب أيضًا.
وَإِنْ كانوا غَيْرَ مُدْرِكِينَ: فالمُشْكلةُ قائمةٌ، لم يَرْفَعْهَا «التّقنينُ».
كما أن الإلزام بما يدون يفضي إلى نفس النتيجة التي وصل إليها من سبقنا إلى هذه التجربة من الدول الإسلامية المتأخرة فقد جربوا هذا التقنين و الزموا القضاة العمل به فلم يأتهم بخير، و لم يرفع اختلاف القضاة في الأحكام، و إنما أدى بهم إلى الحكم بالقوانين الوضعية فيما عدا الأحوال الشخصية، و بعض العقوبات.
إضافة إلى أن إيجاد كتاب يشتمل على قول واحد هو الراجح في نظر من اختاره يكون موحد الأرقام مسلسل المواد لا يمكن أن يقضي على الخلاف، و يوجد الاتفاق في الأحكام في كل القضايا لاختلاف القضاة في مداركهم و في فهم المواد العلمية، و مدى انطباقها على القضايا التي ترفع لهم، و لاختلاف ظروف القضايا و ما يحيط بها من أمارات و يحف بها من أحوال فقد اختلف الناس في مدلول بعض النصوص الشرعية من الكتاب و السنة مع وضوحها و جلائها و علم مصدرها الذي ليس علمه كعلم من يختار القول الراجح المراد.
ومن وجه سادس فإن المحاكم المدنية في الدول التي تحكم بالقوانين الوضعية دونت قوانينها على هيئة مواد موحدة مسلسلة الأرقام، و مع ذلك اختلفت أحكام قضاتها، و وقع في بعضها التناقض و الخطأ و استؤنف بعض الأحكام فنقض في محاكم الاستئناف فلم يكن ذلك التنظيم و الإلزام به مانعا من الخطأ و التناقض و اتهام القضاة، و نقض الأحكام ما دام القضاة متفاوتين في الأفكار و الأفهام، و بعد النظر و القدرة على تطبيق الأحكام على القضايا و الوقائع.
¥