وأما الوضع في السعودية فيختلف، لأن القضاء فيه خرج من ربقة التقليد الفقهي والتعصب المذهبي الذي جثم على صدر الأمة لقرون عدة، فنجانا الله من ذلك التضييق على الأفهام والحجر على الأفكار والاجتهادات ولله الحمد على ذلك والمنة، ولذا كانت الدعوة للتقنين رجوع بالأمة إلى الوراء إلى عصور الجمود الفقهي، وأما البلاد المحكومة بالقانون فحكمها مختلف.
يتبع ... وأعتذر على الإطالة، فالموضع مهم
ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[27 - 01 - 06, 07:01 ص]ـ
خلاصة القول في مسألة التقنين:
ومما تقدم يظهر لكل منصف عدة أمور:
الأول: أن القائلين بالمنع مستندهم أدلة شرعية من القرآن والسنة وهي صحيحة ثابتة، وصريحة في وجوب الاجتهاد في النصوص الشرعية للوصول إلى الحكم الشرعي. وأما المجيزين فمستندهم المصلحة المرسلة وسد الذرائع ووقوع الإلزام بالتمذهب في التاريخ الإسلامي والتقنين مثله. ومن المعلوم أنه لا يصار إلى المصالح المرسلة وسد الذرائع مع وجود النص، ووقوع الإلزام بمذهب في القضاء في مرحلة من التاريخ الإسلامي ليس بحجة ولا دليل، فكم من الأخطاء المنتشرة في التاريخ الإسلامي وهي مخالفة للشرع الإسلامي.
الثاني: أن المؤيدين للتقنين ظنوا أنه سبب لجذب الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على رؤوس الأموال الوطنية، ولا أعتقد صحة ذلك. لأن المستثمر يهمه الوقت والوضوح والعدل في الفرص،
• والتقنين لا يحل مشكلة تطويل الإجراءات في استقدام العمالة
• ولا يحل مشكلة التعسف في تطبيق السعودة،
• ولا يحل مشكلة الفساد الإداري في المنشآت
• ولا يحل مشكلة الواسطة والاستثناءات في تطبيق العقوبات.
الثالث: أن الأمة خلعت عباءة التقليد الأعمى للأئمة الفقهاء مع تحذيرهم رحمهم الله من التقليد، بعد جهود مضنية من الأئمة المصلحين، والحمد لله على ذلك. وفي القول بالتقنين إرجاع للأمة للوراء وفيه ما لا تحمد عقباه:
• من الجمود على نصوص واضعي القانون
• وتعظيمها كنصوص الشرع
• وترك التفقه من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة
• وعدم الاستفادة من فقه الأئمة الآخرين.
الرابع: أن القائلين بالتقنين ظنوا أنه من مكملات الدولة الحديثة، بينما نرى أن بريطانيا والدول التابعة ليس لديها قانون مكتوب ومع ذلك لم يمنعهم من الريادة والسبق الحضاري.
الخامس: أن قول المانعين للتقنين بقلة الاجتهاد في القضاة غير وجيه، فقد تقدم:
• أن الاجتهاد لم يغلق بابه.
• وأن المتأخرين قد تيسر لهم الوصول للمعلومة بيسر وسهولة لانتشار وسائل الاتصال، وإدخال كثير من كتب التراث الإسلامي في أقراص مدمجة، وفي ثوان يجد أقوال الأئمة وما ورد في المسألة من نصوص. وللمجامع الفقهية مواقع على الشبكة العنكبوتية، وسهولة التواصل مع كبار العلماء في العالم الإسلامي بالهاتف والبريد الالكتروني والبريد العادي. فلو قيل بالتقنين في السابق فلا يقال به الآن.
• كما أننا نرى أحكام القضاة مسببة، مما يدل على بحث القاضي قبل حكمه للمسألة.
السادس: أن على الدول التي ابتليت بالقوانين الوضعية الأرضية، أن تحكم شرع الله تعالى، ولا مانع من تقنين الأحكام الشرعية ارتكابا لأدنى الضررين، خاصة مع قلة دارسي الشريعة فيها، وهو حكم ألجأت إليه الضرورة. وأما في مثل بلاد التوحيد (المملكة العربية السعودية) فإن الأمر يختلف، إذ الظروف تختلف، وطلبة العلم الشرعي متوافرون والحمد لله على ذلك.
السابع: أن ولي الأمر إذا ألزم القاضي برأي معين فليس له أن يحكم بغيره، وليس عليه أن يحكم بخلاف ما يرى، وفي هذه الحالة يحيلها إلى قاض آخر ليحكم فيها.
التوصيات:
والذي أراه حلا لما ذكره المؤيدون للتقنين بما لا يتعارض مع أدلة المانعين هو ما يلي:
1. أن تكثف الدورات التدريبية للقضاة على استخدام التقنية الحديثة وتزويدهم بالبرامج المعتمدة للبحث الفقهي.
2. تزويد القضاة بالدراسات الفقهية الحديثة في ما يفيده في أداء عمله، والسعي في نشر الدراسات المركونة على أرفف مكتبة الجامعات لسنوات عديدة.
3. تكثيف المؤتمرات والندوات في الداخل والخارج وإشراك القضاة فيها لتتلاقح الأفكار، وتزيد الحصيلة المعرفية للقضاة.
4. ربط المحاكم بشبكة معلوماتية لتبادل المعلومات وتسريع الإجراءات القضائية، ولمحكمة دبي سبق في هذا المجال ويمكن الاستفادة منهم في الوصول المحكمة الالكترونية بدلا من الأسلوب الورقي الحالي.
5. أن يكون الحكم في القضايا المالية الكبيرة جماعيا، بأن ينظر الحكم ثلاثة أشخاص كقضايا القتل.
6. تمييز القضاة عن غيرهم بتحسين الكادر وزيادة المرتبات واعتماد مسكن ملائم ووسيلة نقل مناسبة لكل قاض، ويكون علاجه ومن يعول على نفقة الدولة في المستشفيات الراقية، وتعليم أبنائه في مدارس أهلية، وليس ذلك ببدع من التنظيم، إذ هو الحال في كثير من الدول الراقية، وهو أقل ما يلزم تجاه القاضي ليستمر في عمله وخصوصا مع تعيين كثير منهم في مناطق بعيدة عن مقر إقامته.
¥