- أرض أسلم عليها أهلها. كأندونيسيا مثلا. تبقى كما كانت عليه قبل الإسلام.
- أرض صالح عليها المسلمون الفاتحون أهلها؛ فلهم من الحق ما تصالحوا عليه لصالح المسلمين.
- أرض دخلها المسلمون فتحا وغلابا، هي مال مشترك بين المسلمين لا تطوّب ولا تملك، تبقى هكذا إلى أبد الآباد ودهر الداهرين، للكبير وللصغير، وللشعب وللمجتمع، وهي أكبر مصدر من مصاريف الدولة، بإداراتها وطرقها، وبلدياتها وموظفيها وجيوشها.
أبو بكر الصديق؛ في حكمه استقر الإسلام عقيدة، وكانت سنتا حكمه امتدادا للنبوة، إلا أنه لا وحي فيها، حاول قوم أن يرتدوا، فارتد الكل إلا أهل مكة والمدينة والبحرين، فأجبرهم على الإسلام جبرا، وقد حاولوا أن يتلاعبوا بأركان الإسلام؛ فأجبرهم على الإسلام جبرا دون تلاعب: {لا إكراه في الدين}: قبل الدخول فيه، أما إذا دخلوا؛ فالدخول ملزم، فليس الأمر أمر لعب ولا أمر لهو.
وجاء عمر بن الخطاب؛ فلما تم الأمر له أخذ ينشر الإسلام في مختلف أقطار العالم، شرقا وغربا، فما كادت تتم سنيه العشر حتى كان الإسلام وصل إلى أقاصي المغرب، وإلى أقاصي المشرق، وما بينهما شمالا وجنوبا.
فحدثت مشكلة الأرض، فظن الفاتحون أن من الغنائم أيضا الأرض، فسكت عنهم عمر زمنا، فأخذوا يكتبون ويلحون، ويتوافدون عليه زرافات ووحدانا، أمراء المدن، حكام البلاد، الفاتحون والقواد. وعمر يرهبهم.
فلما ألحوا عليه قال: "إنما الغنائم في الأموال المنقولة، أما الأرض، أما العقار؛ فلا". فعقدت أول ندوة برلمانية – إن صح هذا التعبير – في الإسلام أيام عمر بن الخطاب في شأن ملكية الأرض، أرض الفتح، أرض الخراج، فكان مع عمر كبار الصحابة، كبار الفاتحين: الخليفتان الراشدان من بعده: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب. وكذا الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وآخرون، وكان قوم مترددين.
وكان أشدهم عليه في المعارضة: بلال بن رباح. وقد سكن الشام وأصبحت له جماعة وحزب، إن عبرنا بتعابير العصر. فحضر بلال وقال: "أليس لنا حق الفتح؟، لنا حق الغنائم، شيء ملكنا الله إياه؟! ". فقال عمر: "هيهات؛ إنما لكم المال المنقول، أما العقار؛ فلا".
ألحوا فألح، فإذا ببلال يهدد بالسلاح والحرب، وإذا بعمر بن الخطاب يجد الأمر محرجا، كيف يقاتل داعية السماء بلالا؟. كيف يحارب شخصا سكن الشام ولا تزال محاطة بالأعداء من الروم وفارس والمؤلفة قلوبهم ومن لم يدخل الإسلام قلبهم بعد؟. فضاق بالإلحاح، وبلال يلح: "إما أن تقسم الأرض بيننا يا عمر بن الخطاب وإما لا سمع ولا طاعة!، وإلا سنقاتلك على حقنا وما ملكنا الله إياه! ".
فلما خرج عمر رفع يديه إلى السماء وقال: "اللهم اكفني بلالا وصحبه". وكان بلال إذا صاح في المجلس صاحت مجموعة من الحاضرين من أتباعه، وما كادت تمضي شهور لم تصل إلى الاثنين أو الثلاثة؛ حتى أصيبت الشام بطاعون "عمواس"، فأخذت بلالا وجماعته، وكان في ذلك خير الإسلام والمسلمين. والموت حق:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسماء والموت واحد
وكان ذلك خيرا من أن تكون حرب بين المسلمين في أيام عمر، أيامه الزاهرة، أيامه الخالدة.
بعد ذلك جعل الأرض ملكا مشاعا، وكان عمر فعل ذلك من نفسه اجتهادا، ولكن ما كاد يفعل حتى انتبه إلى آية في كتاب الله، وإلى حديث عجيب معجز من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر آية الحشر، الآية الطويلة: {وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}. عمر قال: "لو أعطيت هذه الأرض وما فتح منها الآن؛ ما أظن يفتح بعدي أبدا! ".
وكان كما قال عمر: ما ذا سيبقى لمن بعدي؟، ماذا سيبقى للجيوش، ماذا سيبقى للفاتحين، ماذا سيبقى على المتمردين؟. كيف والقرآن يقول: {لئلا يكون دولة بين الأغنياء منكم}، أردتم أن تتداولوا هذا المال، بل هذا العقار، وهذه الأرض. لا والله!!.
ثم عاد فذكر قال: "هذه قسمة الله، ثم قال الله: {للفقراء المهاجرين .. } ". وفسر عمر الغنائم بالمال المنقول، أما العقار فلا، وجعل هذه الآية "آية العقار"، وأنها لله، وما كان لله فهو لله وللرسول ولخلفائه من بعده، للحكم وللدولة، وللإدارة ولذوي القربى من الحاكمين والحكام، بمعنى: الرواتب التي يقومون بها، وللمهاجرين: البقايا من المهاجرين ..
{والذين تبوأوا الدار والإيمان – من الأنصار إلى أن قال الله تعالى:- والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}.
قال عمر: "إن أنا وزعت هذه الأرض بين فقرائكم الآن، فليست هذه من الغنائم التي تقسم عليكم"، وإذذاك عزم عمر وتركها خراجا، وتركها في أيدي أهل الذمة المفتتحة والمأخوذة منهم، منّ عليهم بالعتق، وتركهم في الأرض يزرعونها ويشرفون عليها لصالح المسلمين، وليست لهم ملكية، الملكية ليست بيدهم.
وأذن من بعدُ أن تملك تملك انتفاع لا تملك رقبة، وبقي الأمر كذلك في أيام عثمان، وأيام علي، وحاولوا أن يحولوا عليا عن ذلك؛ فقال: "لا؛ لقد فعل ذلك الخليفة الراشد قبلي، الموفق الهادي عمر، من قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
وكان من هذا النوع: جميع بلاد العرب في الجزيرة العربية إلا المدينة المنورة أسلم أهلها عليها، وخلاف في مكة بين الأئمة: هل تعتبر أرض فتح فلا يجوز التملك فيها؟، أو تعتبر أرض صلح؟. للأئمة في ذلك مذاهب وآراء ليس هذا موضع بسطها.
أما منى؛ فهي بالنص: "منى لمن سبق"، لا يجوز التملك فيها لأحد من الناس، ولا البناء المفرد لأحد من الناس، ولا أخذ أجرة من واحد من الناس. تلك حقوق الله جعلها ملكا للمسلمين ينتفعون بها في تلك الأيام الأربعة، يوم من قبل، وثلاثة من بعد.
-يتبع-
¥