ـ[حمزة الكتاني]ــــــــ[19 - 02 - 06, 04:26 ص]ـ
النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة، قبل أن يتوفاه الله بسنة، حين نزلت سورة التوبة، وأرسلها مع أبي بكر لتعلن على الحجيج في عرفات، ثم أتبعه بعلي وترك إمارة الحج لأبي بكر، وقراءة السورة لعلي بن أبي طالب، وكانت السورة هذه الآيات التي قرأها مقرئنا اليوم: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا فإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عزيز حكيم. قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ... }.
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ... }: هذه عمت كل كافر، وخصت في الآية من ليس بكتابي من كل وثني معطل، مشرك بإنسان أو تراب أو قوم ... أو أي شيء، وكل هذا فعله صلى الله عليه وسلم وأمر به أصحابه.
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ... }: حتى لو كانوا مسلمين، ولكنهم عاشوا عيشة الكفار، أو حاولوا أن يحرفوا أوامر القرآن، كما فعل الممتنع عن أداء الزكاة، أبو بكر يرى دفاعهم إلى القتال، وأن الأولى الحرب، ووقعت حرب مانعي الزكاة.
{ولا يدينون دين الحق}: حتى من يدعي الدين من النصارى أو اليهود أو المجوس أو أي من الأديان إذا لم يديدنوا بدين الحق الذي هو الإسلام؛ قاتلوهم.
{من الذين أوتوا الكتاب .. }: وهذا بيان لهم، هؤلاء الذين لهم دين ولكن ليس دين الحق، بل قد حرف، ونسخ بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو نسخ حتى وإن كان قد حرف.
{حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}: مقبوعون خاضعون لإعطاء الجزية، علامة الاعتراف بالغلبة، والحكم للعرب والمسلمين.
عندما نزلت هذه الآية كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ابتدأ بعد أن حاربه اليهود في المدينة وغدروه بعد المعاهدة الشهيرة التي عقد بينه وبينهم، حاربته بنو قريظة؛ فأفناها، فاستباحها، قتل جميع رجالها واستعبد نساءها وأطفالها، وأخذ أراضيها وقسمها على المجاهدين. طرد بني قينقاع، طرد بني حارثة.
بقي أهل خيبر، فتركهم لحاجة المسلمين لهم، وقد كانوا كلهم فلاحين، فتركهم يرعون ويزرعون لحاجة المسلمين إلى ذلك، ولكنه قال لهم: الأرض لله ورسوله، سيخرجكم المسلمون متى رأوا مصلحة في ذلك. ثم بعد ذلك قال في هذه السنة، بعد نزول هذه الآية، كما عن ابن عباس رضوان الله عليه: "لإن عشت إلى قابل لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا يبقى فيها إلا مسلم".
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش إلى قابل، ولكنه وهو على فراش الموت عليه الصلاة والسلام، أوصى بأن: "أخرجوا اليهود والنصارى عن جزيرة العرب"، "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب"، "أخرجوا يهود الحجاز، أخرجوا نصارى نجران"، "لا يجتمع دينان في أرض"، "لا يجتمع دينان في بلد واحد"، على اختلاف في الألفاظ، ولكن المعنى واحد، قالها في غيرما منزل.
ولكنه قبل أن يموت بيومين عليه الصلاة والسلام، في يوم الخميس بالذات، كما حدثت الرواية الحديثية، وإسنادها في صحيحي البخاري ومسلم، ابن عباس يقول – وكان في مجلس بمحضر سعيد بن جبير الذي روى عنه هذا الحديث -: "يوم الخميس وما يوم الخميس! "، ثم ينشئ باكيا إلى أن تسيل الدموع على وجنتيه كحبات اللؤلؤ كما يقول سعيد بن جبير وكما يقول غيره: "إلى أن تتساقط الدموع من عينيه على الحصا"، فيقول له القائل: "وما يوم الخميس؟! "، فيقول: "يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه، فقال لهم: ائتوني بدواة وكتيب (كلمة غير واضحة)، أكتب لكم ما لن تضلوا بعده أبدا"، فجزعوا، فأخذوا يكثرون اللغط، فطردهم من مجلسه، وأوقف ما كان يريد كتابته، ولكنه مع ذلك أوقفهم وقال: "أوصيكم بثلاث: أخرجوا اليهود عن جزيرة العرب، أخرجوا النصارى عن جزيرة العرب، لا يبقى في جزيرة العرب دينان ... "، حسب الرواية الواردة، ومعلوم أن هذا ليس اختلافا من الرواة، ولكن لفصاحة النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قال الكلمة أعادها ثلاثا، الألفاظ شتى والمعنى واحد، وكل راو يحفظ من الحديث لفظا، والمعاني تبقى واحدة.
"أخرجوا اليهود والنصارى عن جزيرة العرب": ما انفتح إذذاك من ديار الإسلام إلا جزيرة العرب، وما فُتح ما فتح إلا بعده عليه الصلاة والسلام.
¥