تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقوله: "أخرجوا اليهود والنصارى عن جزيرة العرب": فسره التعبير الثاني: "لا يجتمع دينان في أرض"، "لا تصح قبلتان في أرض"، ومعنى ذلك: أرض نكرة، والنكرة تدل على العموم، أي: أيّ أرض من أراضي الإسلام لا تجوز أن تجتمع فيها قبلتان، لا يجوز أن يجتمع دينان.

هذا المعنى الذي أقوله والذي أذكر به هذا الحديث، متواتر، ورد عن أحد عشر من الصحابة: عن عمر بن الخطاب، وعن علي بن أبي طالب، وعن عبد الله بن عمر، وعن عبد الله بن عباس، وعن جابر بن عبد الله، وعن عبد الرحمن بن سودان، وعن أبي هريرة، وعن أبي عبيدة عامر بن الجراح، وعن أم سلمة، وعن عائشة أمهات المؤمنين إلى أحد عشر عدا. حديث في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والدارقطني، والبيهقي، وموطأ مالك، ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلى، ومسدد بن مسرهد، والحميدي، ومصنفات: ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق، وسيرة ابن إسحاق ... وآخرين. وهو مقطوع بصحته سندا سندا، متواتر بمجموعه كما نص على ذلك الحفاظ ورواة الحديث.

والمعنى أكده فعل أبي بكر وعمر، وعمل الصحابة والتابعين بعده، ومستندي فيما أقول: إمام قديم وإمام حديث بالنسبة لنقله: محمد بن جرير الطبري إمام بغداد، وصاحب المذهب الطبري يقول: "معنى الحديث: أن كل أرض يحل فيها الإسلام وترتفع فيها كلمة المسلمين لا يجوز أن يعاشرهم أو أن يعايشهم غير أهل دينهم، فلا يصح أن تكون في أرض قبلتان"، ولا مانع من أهل الذمة مؤقتا، وتبقى بحسب ما يراه المسلمون من المصلحة في بقائهم أو القضاء عليهم.

ويقول الإمام ابن تيمية، وهو الذي أعني من المتأخرين: "الأرض إما أن تفتح عنوة وإما أن تفتح صلحا، وديار مصر وديار العراق وديار الشام كلها فتحت عنوة، يقول: وما فتح عنوة لا تجوز أن تبقى فيه كنيسة. يقول: ومن أجل ذلك عمر بن عبد العزيز هدم كل كنائس هذه الديار. ومن أجل ذلك عمر بن الخطاب حين عاهد أهل القدس كان في عهدته الشهيرة المتواترة، المروية عن جميع أئمة الفقه، مع إقرارها وصحتها والعمل على ما جاء فيها من شروط، شارط عمر على أن لا يحدثوا كنيسة جديدة، وأن لا يجددوا ما خرب منها".

ومعنى ذلك: أن الكنائس التي وجدها الإسلام بالنسة للأرض التي صولح عليها، لا للأرض التي دخلت عنوة، وكانت القدس دخلت صلحا هي خاصة، تبقى تلك الكنائس ما بقيت، فإن خربت لا تجدد ولا تبنى كنائس جديدة.

يقول ابن تيمية: "أجمع على هذا الصحابة والتابعون، والأئمة الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإمام مصر الليث بن سعد، وإمام الشام الأوزاعي، وإمام العراق سفيان الثوري ... قال: ومن جاء بعدهم من الأئمة دون إنكار أحد أو معارضة آخر".

تبقى أرض العنوة، أما أرض العنوة؛ فلا حق لأحد من غير المسلمين أن يبني معبدا أو يقيم أثرا.

وهذا المعنى الذي كتبه في عهدته عمر بن الخطاب ورد نصا في حديث عند ابن عدي عن عمر بن الخطاب: "لا تحدث كنيسة في أرض الإسلام، ولا ترمم كنيسة خربت"، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

فيبقى أن الذي فعله عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ليس إلا تنفيذا لذلك، وعملا بالأوامر التي لم يخالفها لا أحد من الصحابة ولا أحد من التابعين.

ثم هذا المعنى يؤكده الحديث الآخر المتواتر: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يمجسانه أو يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه"، وقال ابن عبد البر: "وأجمع شراح الحديث على أن الفطرة هنا معناها: الإسلام. وأن المولود حين يولد يولد مسلما"، فإن خرج بعد ذلك بعد بلوغه، بعد وعيه، بعد تمييزه، أنه خرج عن الفطرة التي ولد عليها، فوالداه: المجوس أو اليهود أو النصارى أو غير ذلك هم المسؤولون عليه.

يبقى المعنى يشبه القوانين المعاصرة الآن: الجنسية الدولية في كثير من الدول، أنه من ولد على أرض يعتبر مواطنا لها.

فالإسلام في هذا الحديث، وبعهدة عمر المتواترة، وبأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة، يترك أصلا للجنسية الإسلامية، وأن الذي يصح أن يكون مواطنا مسلما، أخا مسلما، من؟، من ولد في أرض الإسلام، أو كان مسلما. فهو من هذا النبع: كل مولود يولد على الفطرة، فحين جاء عمر بن الخطاب لم يزد على ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير