تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

علي بن أبي طالب كان يقول: "لو عشت إلى نصارى الشام ودخلت الشام؛ لأجبرنهم على الإسلام، ما هم بنصارى، ما هم بنصارى، عاهدوا عمر على أن لا ينصروا أولادهم فنصروهم!! ". وقد اتخذت هذه المقولة حيلة سياسية في الدولة الأموية، فقالوا للنصارى: "ها أنتم ذا ترون أن عليا إذا جاء سيستفسيكم وسيستفسي ديانتكم"، فأخذوا يحاربون في الجيوش الأموية.

ومن هنا ترى في بعض كتب النصارى الآن يقولون: "نحن شاركنا المسلمين العرب في فتح هذه البلاد، وفي تعريبها، وفي قيام الإسلام فيها"، أصل ذلك هو هذا.

هذا المعنى الذي أقوله الآن مستدلا عليه بما قلت، هو الذي أكده – كما قلت – ابن جرير الطبري الإمام، وكما أكده ابن تيمية الإمام، وكما قاله وما أجمع عليه المسلمون بالنسبة لأرض العنوة، وهو ما أجمع عليه المسلمون بالنسبة لأرض الصلح، بحيث يترك ما وجد، لا يحدث جديد ولا يرمم بالي. وإن كان الأمر بقي على ذلك لانتهت الأديان الأخرى وانتهى أهل الذمة.

مع قولهم: إن رأى المسلمون مصلحة في إبقاء ما يرون بقاءه للزراعة أو للحراسة، أو لرعي أو صناعة شيء؛ لهم ذلك. ولما ترك المسلمون بعض أهل الذمة أيام عمر كان ذلك لحاجة إليهم، لأن أهل الذمة كانوا أكثر من أربعة أخماس سكان تلك الديار، أما وقد انتصر الإسلام أيام عمر بن عبد العزيز؛ فلم يعد يرى حاجة لبقاء أحد، فأخذ يستفسدهم ويهدم كنائسهم، ويعلن كلمة التوحيد بين الجميع فقط.

هذا المعنى خصصه ابن القيم في كتاب، وهو كتاب "أحكام أهل الذمة"، وقد نشر عن جامعة دمشق وكلية الشريعة، بقرار من مجلس قسم علوم القرآن والسنة في مجلدين، ثم اختير منه شرح الشروط العمرية جزءا آخر، فأصبح ثلاثة، فيه تفصيل معقود بالأحاديث، بالآيات، بالأئمة وآراء الأئمة، باختلاف المذاهب.

وابن تيمية أيضا؛ له في ذلك رسائل مستقلة، ورسائل ضمن فتاواه واسعة، عامرة علما، عامرة تفصيلا، بل جلب على ذلك رسائل حتى عن فئات ضالة تحكم اليوم، يقول عنها واحد في القرن الثامن ما إذا حاول إنسان أن يقارن بين ما كان في الماضي في القرن الثامن وبعد ذلك الآن يجد نفس القئة، نفس العقيدة، نفس العمل، نفس الطريقة.

فهذان الإمامان كتبا ذلك وأشادى به، وأزالا ما كان من غموض في بعض آراء الأئمة حين لا تجمع في كتاب واحد، وتؤخذ النسخ من هنا ومن هناك، وتؤخذ من أبواب وفصول غير متناسقة ولا متصلة.

وأحد علماء المغرب أيضا كتب كتابا مستقلا في ذلك، هو جد والدي: جعفر بن إدريس بن الطائع الكتاني رحمه الله، لم ينشر بعد، ولم يطبع، سماه: "الدواهي المدهية في الفرق المحمية"، والاسم جاء من أنه عندما أخذت تنهار الدولة المغربية الإسلامية قبل الاحتلال الفرنسي، أخذ الكثير يتسابق إلى إعلان كونه حماية فرنسية، حماية ألمانية، حماية إسبانية، فكان يفتي هو وولده محمد – رحمهما الله – معا وجماعة من أعلام المغرب، ويخطبون على المنابر وفي المجالس أن هؤلاء المرتدين لا يغسلون إن ماتوا، ولا يدفنون مع المسلمين، ولا يزارون، وتطلق عليهم زوجاتهم. ونفذ هذا فعلا، ثم كتب كتابا وتكلم على الذمة وأهل الذمة في المغرب وغير المغرب بتفصيل ما قلته مجملا.

وعلى هذا يلخص ما أعيده الآن وأقوله، ونحن بصدد أن نعيد للدولة الإسلامية شأنها ومجدها ووحدتها بفضل الله وقدرة الله وإرادة الله، وكما سبق أن تحدثت في محاضرة سابقة عن "خلود الإسلام": الإسلام لم ينته بعد، وله عودة ستعم الكرة الأرضية جميعا، بجميع قاراتها، فلا ينفع في عودتها أن نعيد مرة أخرى ما قد جرى لنا في القديم والحديث من هذه القليات، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين كما يقول صلى الله عليه وسلم.

فالإسلام كما مر دين لا يقبل معه آخر، وهذا دين إذا قبل أحدا قبله كالمملوك، وأعطاه فرصة حياته ليعاود نفسه ويعود، فإن أبى فلا يجد له حقا في الوجود، ووليده الذي بلغ في الإسلام يبقى في الإسلام، وهو عند ذلك يبقى له ما كان له، إن كان قد دخل إلى أرضه صلحا، تبقى له كنائسه وشعائره على أن تكون داخلية، لا يعلن بها لا بالناقوس ولا بإعلان، ولا بخنازير ولا بشرب خمر، ولا بشيء من هذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير