وبعد ... فإني أشكر أخي القديم، الذي تربطني به عشرات السنين، وأقول هذا حقيقة، روابط حبية روحية قوية.
إنه أثار هذا الموضوع المهم في رأيي، وليس هو موضوعا نظريا، فهو موضوع يمس صميم تفكيرنا واختلافنا في العصر الحاضر، أعجبني أنه انطلق من منطلق يختلف عما يُنطلق منه عادة في مثل هذه الأمور، وهو التوفيق بين الإسلام وبين الآراء الحديثة أو المذاهب الأوروبية.
هو رفض هذا المبدأ أساسا، رفض أن يسير في هذا الطريق، وأراد أن يعطي الإسلام معالمه الخاصة وذاتيته، وهنا قد يقال: ولكن؛ كيف يمكن أن نعرض هذا على الناس؟.
أقول أيها الأخوان:
أنا لا أدخل في التفريعات والجزئيات الفقهية في الموضوع، ولكني أقول مخاطبا أي عقل: الدول أو المجتمعات في هذا العصر، إما أن تكون دولا عقائدية، وهي التي يسمونها اليوم: الجيوروجية، أي: إن الروابط بين أفرادها روابط عقائدية بصرف النظر عن الجنسيات وعن القوميات وعن الوطنيات.
فكل رجل يدخل إلى دولة ويريد أن ينتظم فيها، مهما تكن جنسيته أو أصله، يفتحون المجال له، وبالمقابل: فهم لا يفتحون المجال حتى لابن بلدهم وقوميتهم وجنسيتهم ووطنيتهم، لمن يخالف هذه العقيدة.
هذا منطلق مهم؛ المسلم إما أن يعتقد أن الإسلام مساو في صحته لليهودية والنصرانية والمجوسية والمزدكية والشيوعية، وحينئذ لا يكون معتقدا بالإسلام، فالإسلام يقول: الله واحد. والمسيحية تقول: ثلاثة. والشيوعية تقول: لا إله. فإذا احترم جميع العقائد والأديان واعتبرها متساوية فهذا غير مسلم.
الشيوعي في هذا الموضوع صريح، يقول: إن دينه الشيوعي هو الصحيح، وما سواه فباطل. ولذلك فهو لا يتأخر أبدا على أن يصرح بأن الأديان خرافات، وأنها مضرة، وأنه لا يمكن أن يقف نحوها موقف الحيادي إطلاقا. يقول هذا حتى في البلاد الإسلامية.
مهما نعتقد أن الإسلام حق – طبعا نحن نتكلم الآن في مشرق إسلامي لا حاجة لإقناعه بالإسلام – وقد جاء هذا الإسلام عن طريق يفوق ميزان العقل، هو طريق مصدر الحقائق، وهو الوحي، وليس المجال في الكلام عن الموضوع بين العقل والوحي.
فنحن نعتقد بأن الإسلام بأصوله الموحى بها، والمبينة في السنة، هو حقائق يقينية لا مجال لمن اقتنع بطريقتها لا مجال فيها أبدا للشك، والمساواة بغيرها، والمناقشة بينها وبين غيرها بالنسبة إليه. ونعتقد أن الخطة التي أرادها الله لهذه الإنسانية أن نوتي البشرية كلها على هذه الرسالة.
فالإسلام إذا له رأيه أن المجتمع والدولة يجب أن تبنى على العقائدية لا على السورية والعراقية، ولا السعودية والمغربية، ولا على العربية والتركية والفارسية. ولكن هي دولة مفتوحة على أساس العقيدة على أن تكون هذه العقيدة حينئذ منتشرة، ومطبقة بنظمها، ومفتوحة لكل من يأتي إليها على الإطلاق، على أن يكون صادقا يصدق في انتمائه إلى هذه العقيدة.
ولذلك؛ فأنا متفق مع الأستاذ في أن موضوع غير المسلمين في الدولة الإسلامية هو موضوع مرحلة مؤقتة، ويدل على هذا أن الإسلام حاول بالرغم من أنه لم يحاول إكراههم بالسيف على الدخول في الإسلام، فتركهم في بداية الأمر، أو قسمهم في الحقيقة قسمين:
فمنهم من هو على باطل مائة في المائة، واضح وقويم، وهم المشركون والوثنيون. فهؤلاء إذا لم يقبلوا الدخول في الإسلام؛ فبقاؤهم كإعطاء الحرية لعصابات قطاع الطرق اللصوص، إذا قلنا ينبغي أن تعطى لهم الحرية.
ومنهم من أهل الكتاب، فمن لم يغير دينه يبقون على أصلهم، ويدفعون الجزية، ونحاكمهم في المحيط الإسلامي لوجودهم فيه، ويمنعون أن تتعدى عقيدتهم غيرهم، حتى أبناءهم أيضا.
ولذلك نلاحظ بأن مجمل الأحكام إذا نظرنا إلى مختلف المذاهب الفقهية الإسلامية، وخاصة إذا رجعنا إلى الأصول، وهذه طريقة أخرى أيضا انطلق منها الأستاذ، فهو لا يقبل ما استقر عليه أقوال المتأخرين من الفقهاء في موضوع أهل الذمة، بل إنه صعد في الموضوع إلى القرآن والسنة، وهذا هو الحكم، ونحن لا نكون على التقليد الأعمى.
¥