بالنسبة إلى البلدان الأخرى، كان الموضوع سياسيا مرحليا. لماذا؟. لأنه حتى المجوس قالوا فيهم شبهة اهل الكتاب، ولذلك المجوس فيما يتعلق بالجزية – دون الذبائح والزواج مثلا – كان الخطة فيها – كما يقول الفقهاء – هي: أن يقاسوا بأهل الكتاب، لأن المجوس أيضا شبهة كتاب. حيث – كما تعرفون – إن المجوسية والبوذية وغيرها من هذه الديانات قد تكون في الأصل ديانات سماوية، على اعتبار أن الديانات السماوية ليست فقط اليهودية والنصرانية، {منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك}، الأنبياء – وإن كان بعض المفسرين لم يستندوا إلى عدد – ولكن البعض قال: إنهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، طبعا هذا العدد لا صحة له. لكن المهم أن الأنبياء ليسو البضع والعشرين نبيا المذكورين في القرآن: {منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك}، وبما أن للمجوسية أيضا والصابئة في العراق شبهة كتاب، ولذلك سمح لهم سياسيا مع المحاصرة المعنوية.
بمعنى: أن هؤلاء حينما يرون عظمة التشريع الإسلامي، وحينما يرون أخلاق المسلمين، هؤلاء سوف يجدون في الإسلام شيئا عظيما يسهل عليهم الدخول فيه.
وأبناؤهم كذلك؛ أبناؤهم لا يجوز لهم أن يقيموا لهم مدارس وأن يعلموهم دياناتهم، وإنما هؤلاء الأولاد ينشأون على الإسلام.
هذا في الواقع هو المبدأ الصحيح في الأصل، وأما أن يكون هنالك مشاورات حين ضعف المسلمين، فهذا أيضا من السياسة الشرعية. هذا قد يحدث في بلد يكون فيه الأمر ليس بيد المسلمين، أو ضعف أمر المسلمين، هذا من باب السياسة الشرعية على أن لا ينسى المبدأ الأصلي الذي هو: سيادة العقيدة الإسلامية والمبدأ الإسلامي.
وأما الدول الأخرى؛ فهي الدول التي تبنى على الوطنية، أي: كل من يجتمع على أرض واحدة على اختلاف عقائدهم، وحينئذ عقائدهم كلها متساوية، كما تفعل فرانسا، فعندهم الكاثوليكي والبروتستانتي، والملحد الشيوعي واليهود، وغير هؤلاء يجتمعون، وعندهم الحق والباطل يكون برفع الأصابع، فإذا كان الذين رفعوا أصابعهم في المجلس النيابي، في التصويت، أكثر؛ كان الحق معهم، هذه الفكرة طبعا نحن لا نقبلها، نرفضها. هذه هي الفكرة الوطنية التي تمثل في الشكل السياسي البرلماني.
هنالك الفكرة القومية التي أخذ بها الألمان في زمن هتلر مثلا، وهي: كل من كان من قوميتهم فهو على حق، وكل من لم يكن من القومية فهو على باطل.
إذا؛ فكل من كان عربيا فهو المفضل، وكل من لم يكن عربيا؛ فلا. هذه طبعا جاهلية قديمة وحديثة. لأن هذا النوع أيضا وجد اليوم وجدد، والآن مات في أوروبا. وكان هذا بلاء على ألمانيا، لأن جميع الدول حينئذ تألبوا عليها، والآن قد ذهبت إلى ألمانيا منذ نحو ست سنوات ووجدت الألمان العقلاء يتألمون ويجدون أنهم أخذوا جزاء عقيدتهم الباطلة التي هي دين القومية.
دين القومية من الأديان الوثنية التي جربت حتى في هذا العصر، ووجد أنها سيئة حتى على أصحابها. ولذلك يجب أن ينتبه مغفلوا الشباب العرب الذين لم يدرسوا الأمور، والذين يرون أنهم يجب أن يتخذوا من القومية دينا يجب أن يحل محل الإسلام، بعد أن شرفهم الله وجعلهم قادة على الإنسانية؛ يريدون أن يغلقوا الباب على أنفسهم ويضربوا حول العرب ستارا حديديا ويقولوا: العرب العرب، والمجد للعروبة. فالمجد للألمان، ورأيتم كيف أذل الألمان بسبب قولهم: الألمان فوق الجميع.
نحن قوم جعل الله الأعاجم أنفسهم يعظموننا لسبب أننا قدمنا لهم الإسلام، بكل تواضع، دون أن نتبجح ونفتخر بأصلنا العربي، هم أنفسهم أخذوا يفضلوننا.
فالدول والمجتمعات في العصر الحاضر قامت إما على العقائدية، وإما على الوطنية، وإما على القومية، ولا خارج تقريبا لهذه الأنواع.
فنحن – ينبغي – أن نبني دولنا على أساس العقائدية، وأن نسير نحوها بتخطيط: ننتقل من الإقليمية التي نحن الآن موزعون فيها في العالم الإسلامي، إلى هدف: وهو تكوين مجتمع ودولة إسلامية. والمسلمون حينئذ يتساهلون فيما بينهم في إطار صحة العقيدة الإسلامية. فلا يقال: هذا مذهبه كذا، هذا حنفي، هذا شافعي، هذا حنبلي سلفي، وهذا أشعري شافعي.
¥