أما الجواب على سؤالك فموجود في ثنايا ردي السابق إذ لو صح ما قاله ابن القيم رحمه الله من كون الكراهة عند الإمام مالك منزلة بين الحظر و الإباحة فهذا يعني أن الكراهة عنده للتنزيه.
و من جهة أخرى فكون بعض الصحابة كان يجهر بالبسملة أحياناً فهذا يدلك على أن كراهة مالك رحمه الله لم تكن للتحريم بل للتنزيه.
و لمزيد بيان أنقل لك ما يلي:
مجموع الفتاوى [جزء 21 - صفحة 300]
(قد كره الإمام أحمد بناء الحمام وبيعه وشراءه وكراءه ... وقد بنيت الحمامات على عهد الصحابة في الحجاز والعراق على عهد علي وغيره وأقروها وأحمد لم يقل إن ذلك حرام ولكن كره ذلك لاشتماله غالبا على مباح ومحظور)
فكراهة الإمام أحمد هنا ليست للتحريم و هو ما بينه ابن تيمية رحمه الله فلا يمكن لأحمد أن يقول بحرمة ما أقره الصحابة، فهذه الكراهة منه للتنزيه.
مجموع الفتاوى [جزء 21 - صفحة 452]
(ثم إنه لما نام عن الصلاة انتقل وقال هذا واد حضرنا فيه الشيطان فأخر الصلاة عن الوقت المأمور به لكون البقعة حضر فيها الشيطان وتلك البقعة تكره الصلاة فيها وتجوز لكن يستحب الانتقال عنها وقد نص على ذلك أحمد بن حنبل وغيره)
فنصُّ الإمام أحمد رحمه الله على أن هذه الصلاة جائزة مع الكراهة دليل على أن هذه الكراهة منه للتنزيه إذ المحرم لا يجوز فعله.
مجموع الفتاوى [جزء 22 - صفحة 82]
(وقد تنازع أهل العلم في التربيع في السفر هل هو محرم أو مكروه أو ترك الأفضل أو هو أفضل على أربعة أقوال
فالأول قول أبى حنيفة ورواية عن مالك
والثاني رواية عنه وعن أحمد
والثالث رواية عن أحمد وأصح قولي الشافعي
و الرابع قول له والرابع خطأ قطعا لا ريب فيه والثالث ضعيف وإنما المتوجه أن يكون التربيع إما محرم أو مكروه لأن طائفة من الصحابة كانوا يربعون وكان الآخرون لا ينكرونه عليهم إنكار من فعل المحرم بل إنكار من فعل المكروه)
فالقول الثاني هو الكراهة و هي رواية عن كل من مالك و أحمد رحمهما الله فلو كانت كراهة التحريم فلا معنى لعد هذا القول مغايراً للقول الأول، و كذلك لا معنى حينئذ للقول بأن هناك روايتين عن مالك رحمه الله.
مجموع الفتاوى [جزء 26 - صفحة 111]
(و الرداء لا يحتاج إلى عقده فلا يعقده [أي المحرم] فإن احتاج إلى عقده ففيه نزاع و الأشبه جوازه حينئذ و هل المنع من عقده منع كراهة أو تحريم فيه نزاع و ليس على تحريم ذلك دليل إلا ما نقل عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كره عقد الرداء و قد اختلف المتبعون لابن عمر فمنهم من قال هو كراهة تنزيه كأبي حنيفة و غيره و منهم من قال كراهة تحريم)
فها أنت ترى أن السلف قد تنازعوا في مراد ابن عمر رضي الله عنه من كراهة عقد الرداء و هذا يدل على أن الكراهة عندهم ليست على معنى واحد فقط هو الحرمة بل تستخدم للتنزيه.
مجموع الفتاوى [جزء 30 - صفحة 194]
(وسئل
عن امرأة منقطعة أرملة ولها مصاغ قليل تكريه وتأكل كراه فهل هو حلال أم لا؟
فأجاب الحمد لله رب العالمين هذا جائز عند أبي حنيفة والشافعي وغيرهما من أهل العلم وقد كرهه مالك وأحمد وأصحاب مالك وكثير من أصحاب احمد وهذه كراهة تنزيه لا كراهة تحريم)
فها هو ابن تيمية رحمه الله و هو من هو في تقرير مذهب السلف في الأصول و الفروع يفهم من كراهة أحمد و مالك رحمهما الله أنها للتنزيه و ليست للتحريم.
ـ[ضياء الشميري]ــــــــ[04 - 03 - 06, 05:13 م]ـ
بارك الله فيك أخانا أبا البراء ... وجزاك الله خير ..
............................
ربما نخلص إلى أن الكراهة إذا أطلقت عند السلف يراد بها التحريم ..
وكذلك عند المتأخرين يراد بها التنزيه هذا عند الإطلاق ..
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
فبارك الله فيك أخانا وفي علمك ووقتك وجزاك الله عنا خيرا ونفع بك ..
.....................................
ولا أخفيك أخي أنني قد سألت بعض الإخوة عن هذا الموضوع فخلصوا إلى ماخلصت إليه والله المستعان.
والله أسأل أن يجعل ذلك في موازين أعمالنا ..
وبورك فيكم .................................................. .................
ـ[ابو سند محمد]ــــــــ[04 - 03 - 06, 06:40 م]ـ
ربما نخلص إلى أن الكراهة إذا أطلقت عند السلف يراد بها التحريم ..
ـ[أبو عبد الله الساحلي]ــــــــ[04 - 03 - 06, 07:30 م]ـ
جاء في سنن الترمذي 3\ 206 تحقيق شاكر
باب ما جَاءَ في كَراهِيَةِ لَحْمِ الصّيْدِ لِلْمُحْرِم.
849ـ حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الّليْثُ عن ابنِ شِهابٍ عن عُبيدِ الله بنِ عبدِ الله أنّ ابنَ عَبّاسٍ أخْبَرَهُ أنّ الصّعْبَ بنَ جَثّامَةَ أخْبَرهُ "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ بهِ بالأبواءِ أو بوَدّانَ فأَهْدَى لهُ حِماراً وحْشِياً فردّهُ عليهِ، فلما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما في وجْهِهِ من الكَرَاهِيَة قال: إنّهُ لَيْسَ بناردٌ عليك ولكنّا حُرُمٌ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد ذَهَبَ قَوْمٌ منْ أهْلِ العلمِ منْ أصْحابٍ النبيّ صلى الله عليه وسلم وغَيْرِهِم إلى هذا الحديثِ وكَرِهُوا أكْلَ الصّيْدٍ لِلْمُحْرِمِ. وقال الشّافعيّ إنّما وجْهُ هذا الحديثِ عِنْدَنا إنّما رَدّهُ عَلَيْهِ لمّا ظَنّ أنّهُ صِيدَ مِنْ أجلِهِ وتَرَكَهُ على التّنَزهِ. انتهى
¥