تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما نزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول ?، فإن أبا القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس! فدخل عليَّ رسول الله ? فقلت: يا رسول الله! إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته، فقال: "ائذني لَهُ، فَإنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَت يَمِينُكِ! ". ()

وهذا القول هو مذهب الجمهور من السلف () والأئمة الأربعة () وغيرهم، وقال بعض السلف بعدم التحريم () وحجتهم أن عائشة كانت تفتي بخلاف ما روته، كما روى ذلك عنها القاسم بن محمد. قال ابن عبد البر: "لو صح عنها هذا وذاك، لكان المصير إلى السنة أولى، لأن السنة لا يضرها من خالفها، والمصير إليها أولى" ().

ولا ينتشر التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع فليست أخته من الرضاعة أختاً لأخيه ولا بنتاً لأبيه، إذ لا رضاع بينهم.

قال ابن حجر: "والحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن، فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءاً من أجزائهما؛ فانتشر التحريم بينهم بخلاف قرابات الرضيع" ().

السبب الثالث: المُصاهرة:

المُصاهرة: (مُفاعلة) من الصِّهر، يُقال صهره وأصهره: بمعنى قرَّبه وأدناه، ومنه مصاهرة النكاح وهي حرمة الختونة، والأصهار: أهل بيت المرأة () قال تعالى: ?الذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهرَاً ?. [الفرقان: من الآية 54].?

ولا يشترط في النكاح هنا أن يكون نكاحاً صحيحاً؛ بل النكاح بالشُبهَة - وهو الوطء بنكاحٍ فاسدٍ أو وطء امرأة ظنَّها امرأته- يحرِّم كذلك بالإجماع. قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى: "أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار على أن الرجل إذا وطىء امرأة بنكاح فاسد أو بشراء فاسد، أنها تحرم على أبيه وابنه وأجداده وولد ولده " ().

أما النكاح المحرَّم أو السفاح فذهب جماعة من السلف () إلى أنه يُحرِّم، وهو قول أبي حنيفة وأحمد () ودليلهم قوله تعالى: ?وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم? قالوا:والزنا يُسمَّى نكاحاً لغةً، وذهب جماعة () إلى أنه لا يحرِّم، وهو قول مالك والشافعي ()، استناداً إلى المعنى الشرعي للنكاح: وهو العقد، قالوا: ولم يأت في القرآن النكاح مراداً به الزنا قط، ولا الوطء المجرد عن عقد.

ومن حيث المعنى: فإن الله تعالى جعل الصهر قسيم النسب وجعل ذلك من نعمة التي امتن بها على عباده، فكلاهما من نعمه وإحسانه فلا يكون الصهر من آثار الحرام وموجباته، كما لا يكون النسب من آثاره، بل إذا كان النسب الذي هو أصل لا يحصل بوطء الحرام؛ فالصهر الذي هو فرع عليه ومشبه به اولى ألا يحصل بوطء الحرام ().

والمحرمات بالمصاهرة أربع، وهنَّ:

1) أمُّ الزوجة: وهنا مسألتان: الأولى: تحرم أم الزوجة المعقود عليها، وجميع أصولها بمجرد العقد، ولا يشترط الدخول بابنتها، وذلك لعموم اللفظ في قوله: ?وأمَّهَاتُ نِسَائِكُم?، وهذا المذهب هو مذهب جمهور السلف () والأئمة الأربعة () ومن تبعهم، لكن فهم بعضهم أن الاستثناء في قوله تعالى: ?فَإنْ لَم تَكُونُوا دَخَلتمُ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيكُم ? تدخل فيه الأمهات أيضاً، فلا تحرم أم الزوجة بمجرد العقد، وهذا المذهب ثابت عن علي بن أبي طالب ? () وزيد بن ثابت ? () وأجاب العلماء على ذلك بأنَّه لو جاز ما ذكروه، لجاز أن يكون الاستثناء في قوله: ?وَالمُحصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَت أيمَانُكُم? من جميع المحرمات بقوله: ?حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ .. ? الآية، () كما أنه لو كان الاستثناء راجعاً إلى قوله: ?وأمَّهَاتُ نِسَائِكُم? لكان موضعه: وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، وهذا محال في الكلام، قاله ابن حزم ().

المسألة الثانية: معنى (الدخول بها) هو جِمَاعُها كما هو ثابت عن ابن عباس () وبه قال الشافعي وأحمد () وقال مالك وأبو حنيفة (): هو التمتع بلمس أو تقبيل، وهذا مروي عن بعض السلف ()، قال ابن جرير الطبري: "وفي إجماع الجميع على أن خلوة الرجل بامرأته لا يحرم عليه ابنتها إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها، أو قبل النظر إلى فرجها بالشهوة؛ ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع" ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير