تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم الانتزاع لعضو من مولود حي عديم الدماغ لبكر أبو زيد]

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[10 - 03 - 08, 11:05 ص]ـ

حكم الانتزاع لعضو

من مولود حي عديم الدماغ

إعداد

فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد:

فقد أحاطت الشريعة الآدمي - لشرفه وكرامته - بأنواع من الحفظ والصيانة لآدميته منذ كونه ماء إلى مروره بأطوار تخلقه إلى تكونه جنيناً، وأناطت بذلك أحكاماً معلومة في محلها من فقه الشريعة.

وأناطت الشريعة أحكامه مولوداً بأن يولد فيستهل صارخاً فيكون حينئذ آدمياً محكوماً باستقرار حياته، فله ما للآدميين من حرمة وعصمة وإرث وهكذا .. بصرف النظر عن كونه ولد بأحسن تقويم أو ناقص الخلقة بأمر ظاهر كمخرج الأطراف أو باطن كعديم الدماغ، أو اختلال في أحشائه أو ولادته وهو: أعمى، أصم، أبكم .. فلو استقرت حياته لحظات ثم مات في أثنائها مورث له من أب أو أم لكان وارثاً شرعاً.

ولوجنى عليه جان لترتبت على الجاني أحكام الجناية شرعاً كترتبها على من جنى على بالغ راشد ... وهكذا من وسائل حماية الشرع لهذه الضرورة العظمى من ضروريات الحياة (حفظ النفس).

وبناء على ذلك:

فالمولود ناقص الخلقة ظاهراً أو باطناً كالوليد عديم الدماغ، ويراد بعديم الدماغ (1) "الذي يولد وليس له قبو رأس، وليس له فصان مخيان، وإنما له جذع مخ يقوم على الوظائف الحيوية الأساسية من دورة دموية وتنفس بعد الانفصال حياً بالميلاد ولكنها حياة محدودة موقوتة ثم يموت بعد ساعات أو أيام أو أسابيع ... ".

هذا المولود: آدمي انفصل من بطن أمه حياً، ناقص الخلقة، واستقرت حياته فتثبت له أحكام المواليد مستوي الخلقة، سواء بسواء، طرداً لقاعدة التعايش وضروريات الحياة، وحفظ النوع الإنساني، وحرمته (آدمياً) ورعاية حرمة الشرع بتحريمه الاعتداء عليه، وينسحب عليه قول الله تعالى في [سورة المائدة: الآية 32]: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}.

هذا هو الأصل العام الذي تساق عليه أحكام هذا الباب في استبقاء الأنفس ورعاية الحرمات وهو من المسلمات، ومن استثنى مولودا ناقص الخلقة فقد قفى ما ليس له به علم، وأفتى بقتل الأحياء والأبرياء.


(1) بحث الطبيب حسان حتحوت عن: الوليد عديم الدماغ: ص ا.

وعليه:
فلا يجوز لأحد والدي المولود ناقص الخلقة كعديم الدماغ الإذن لأي طبيب بانتزاع عضو منه لزرعه في طفل آخر محتاج إليه، فلا تستبقى نفس بقتل أخرى بلا ذنب.
ولا يجوز لأحد أبوي هذا المولود الإذن لأي طبيب بقطع وانتزاع عضو منه تحسباً لحالة طفل مريض.
ولا يجوز لوليه الإذن لطبيب بإجراء عملية تشريح لهذا المولود لصالح تعلم الطب أو اكتشاف نوع المرض.
كل هذه وما جرى مجراها إذن بالجناية، ومباشرة لها تستوجب العقوبة المقدرة شرعاً وتستوجب الإثم للاعتداء بغير حق.
كما يصاحب هذا محاذير أخلاقية شرعية إنسانية من ابتداء العدوان والإجهاز على آخرين بعلة نقص الخلقة، وهو تعليل ساقط يرفضه الشرع بكل قوة.
شبهة وجوابها:
يرد تساؤل وهو: أن الأطباء قرروا أن موت جذع المخ موت للإنسان، فيكون الحكم بموت "عديم الدماغ " من باب أولى. وأن من الفقهاء من أفتى بأن موت جذع المخ موت للإنسان، فكذلك يكون هنا؟
وجوابها:
أن هذا قياس على حكم مختلف فيه، وركن القياس أن يكون (الأصل) المقيس عليه شرعياً ثابتاً بالكتاب أو السنة أو الإجماع .. والمقيس عليه هنا ليس كذلك بل هو حكم فرعي حادث مختلف فيه اختلافاً كبيرا، ولم يثبت له حكم بنص من كتاب أو سنة أو اجماع. ولذا فلا يصح القياس لاختلال ركنه، وهذا قادح مسلم به لدى الأصوليين يمنع صحة إلحاق فرع به فهو إلحاق بفرع حادث مختلف فيه.
بل الأولى كما هو ظاهر العكس، فيقاس منع جعل موت جذع الدماغ علة للموت على (غياب جذع الدماغ عن المولود) الذي تستقر حياته، فإذا كان غياب جذع أصلاً تستقر معه الحياة ساعات أو أياماً أو أسابيع فهو محكوم بحياته قطعاً، فمن باب أولى من مات منه جذع الدماغ مع استمرار نبضات قلبه يكون الحكم باستمرار حياته استبقاء للأصل حتى تنقطع نبضات القلب، وتنفصل الحياة من بدنه من كل عضو بحسبه لمخالطة الحياة البدن.
وقبل كتابة هذا البحث ببضعة شهور، وفي شهر رجب من هذا العام 409اهـ، حكم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة لموت جذع الدماغ لديه، وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، ولكن ورثته مانعوا من ذلك، ثم كتب الله له الحياة، وما زال حياً حتى تاريخه.
فموت جذع الدماغ علامة ظنية على موت الإنسان وليست قطعية، إضافة إلى احتمال خطاً التشخيص، فكيف تمكن الفتيا بما حقيقته ومآله قتل الأحياء فيتأمل.
والله أعلم.
الدكتور بكر عبد الله أبو زيد
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير