فلا يجوز إذاً لهذا المدرس أن ينتصب للتدريس في هذا المكان الذي خص لعبادة الله - عز وجل - بشتى أنواع العبادات كما سبق الإشارة إليها، من أجل ذلك جاء في السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " نهى عن التحلُّق يوم الجمعة ". و النهي هذا معقول المعنى، وسبق ذكره في الكلام السابق لما فيه من التشويش على الذين يحضرون المسجد و يصلون و يذكرون الله و يصلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك نقول: لا يجوز التدريس يوم الجمعة لأنه لم يكن أولاً في عهد السلف الصالح، و لأنه يشوش على الناس في طاعتهم و عبادتهم، و لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - نهى عن التحلق يوم الجمعة، و هذا ما عندي و الله أعلم.
وحول سؤال عن حكم هذا المدرس هل هو آثم أم لا؟
أجاب الشيخ الألباني - رحمه الله -: معلوم هذا (أي: إثمه!!!) من حديث: " لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة " أو كما جاء في الحديث بزيادة مهمة جداً: " لا يجهر بعضكم على بعض في القراءة فتؤذوا المؤمنين ". و الإيذاء بلا شك محرم بنص القرآن، والإيذاء هنا بسبب التشويش فلا يصح التدريس.
إن كان أحد يريد أن يدرس فبعد الصلاة حيث يتفرغ الناس لسماع من شاء منهم و من شاء القضاء، أما أن ينتصب المدرس قبل صلاة الجمعة فيفرض نفسه على الناس فرضاً و فيهم المصلي و التالي و الذاكر فهذا هو الإيذاء للمؤمنين فلا يجوز. أهـ من كتاب " اللمعة في حكم الإجتماع للدرس قبل صلاة الجمعة " لمحمد موسى نصر.
ثانيا: فتوى ابن عثيمين رحمه الله:
سئل الشيخ العثيمين رحمه الله في " فتاوى نور على الدرب " (ج188/ص92):
الدرس الذي يكون قبل الأذان يوم الجمعة ما حكمه و ما حكمه إذا كان بشكل مستمر؟
فأجاب:
أما الدرس الخاص الذي يكون بين عالم و تلاميذه فهذا لا بأس به، إلا أنه نهي عن التحلق يوم الجمعة إذا كان في ذلك تضييق على من يأتون إلى الجمعة.
و أما إذا كان عامّا مثل أن يكون الدرس في مكبر الصوت عاما على جميع الحاضرين فإن هذا منكر و بدعة. أما كونه منكرا فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أصحابه حين كانوا يصلون أوزاعا فيجهرون بالقراءة فقال عليه الصلاة والسلام " كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا بالقراءة "؛ لأنه إذا رفع صوته شوش على الآخرين، فهذا وجه كونه منكرا. فإن هذا الذي يحدث الناس بمكبر الصوت يوم الجمعة يؤذي الناس لأن من الناس من يحب أن يقرأ القرآن، و من الناس من يحب أن يتنفل بالصلاة، و من الناس من يحب أن يفرغ نفسه للتسبيح و التهليل و التكبير، و ليس كل الناس يرغبون أن يستمعوا إلى هذا المتحدث، فيكون في هذا إيذاء لهم. و من أجل هذا أنكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أصحابه الذين يجهر بعضهم على بعض.
و أما كونه بدعة، فلأن هذا لم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، و هو صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تبليغ الرسالة، ولم يحصل و ذلك لأنه سوف يحصل للناس التذكير و الموعظة في الخطبة المشروعة التي ستكون عند حضور الإمام.اهـ
يتبع إن شاء الله ...
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[18 - 03 - 08, 11:06 ص]ـ
قلت: جملة ما تمسك به هذان الفاضلان من الأدلة يرجع إلى ثلاثة أصول:
- حديث النهي عن التحلق يوم الجمعة.
- حصول الإيذاء للمصلين به.
- عدم فعل النبي صلى الله عليه و سلم و الصحابة له.
و ها أنا ذا أشرع في بيان كل دليل و ما فيه، و الكشف عن كل حكم و معانيه. ملتزما الجادة في تحري الحق، و غايتي في أمري كله طلب مرضاة الله تعالى.
ـ[عبدالوهاب مهية]ــــــــ[18 - 03 - 08, 11:07 ص]ـ
أولا: حديث النهي عن التحلق يوم الجمعة:
فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء و البيع في المسجد و أن تنشد فيه الأشعار و أن تنشد فيه الضالة و عن الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة»
هذا الحديث انفرد به محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب. و كلاهما فيه مقال.
أخرجه أحمد 2/ 179 (6676) قال: حدَّثنا يَحيى.
و " أبو داود " (1097) قال: حدَّثنا مُسَدَّد، حدَّثنا يَحيى.
و " ابن ماجة " (749) قال: حدَّثنا عبدِ الله بن سعيد الكِنْدي، حدَّثنا أبو خالد الأحمر.
و في (766) و (1133) قال: حدَّثنا محمد بن رُمْح، أنبأنا ابن لَهِيعة (ح) و حدَّثنا أبو كُريب، قال: حدَّثنا حاتم بن إسماعيل.
و " التِّرمِذي " (322) قال: حدَّثنا قُتَيبة، قال: حدَّثنا الليث.
و" النَّسائي " (2/ 47)، و في " الكبرى " (795) قال: أَخْبَرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرني يَحيى بن سعيد.
و في (2/ 48)، و في " الكبرى " (796)، و في " عمل اليوم و الليلة " (173) قال: أَخْبَرنا قُتَيبة، قال: حدَّثنا الليث بن سعد.
و" ابن خزيمة " (1304) قال: حدَّثنا بُندار، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدَّثنا يَحيى بن سعيد.
و في (1306) قال: حدَّثنا عبدِ الله بن سعيد الأشج، حدَّثنا أبو خالد. و في (1816) قال: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقي، حدَّثنا يَحيى بن سعيد.
خمستهم (يَحيى بن سعيد، و أبو خالد الأحمر، و ابن لَهِيعة، و حاتم بن إسماعيل، و الليث) عن محمد بن عَجلان به.
و أخرجه أحمد 2/ 212 (6991) قال: حدَّثنا على بن إسحاق، أَخْبَرنا عبد الله، يعنى ابن المُبارك، حدَّثني أُسامة بن زيد. و لفظه: " نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن البيع و الإشتراء في المسجد ".
و ليس فيه النهي عن التحلق.
¥