فهو تارة يحدِّث به عن عبد اللهِ بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك (كما في رواية أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب، والبزار في مسنده، وابن الجوزي في منتظمه، وابن النجار، وابن عبد البر في إحدى رواياته.)، وتارة يحدث به عن أبيه (كما في رواية ابن سعد، وابن الغطريف، والبيهقي، والمقدسي، وابن عبد البر في إحدى رواياته)، وتارة يحدث أن ((دُعَاءَ هُ كَانَ في مَسْجِدِ الفَتْحِ)) (كما في رواية أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب، والبزار في مسنده، وابن الجوزي في منتظمه، وابن النجار، وابن عبد البر في إحدى رواياته)، وفي ثانية أن ((دُعَاءَ هُ كَانَ في مَسْجِدِ قُبَاء)) (كما في إحدى روايتي البزار وابن عبد البر)، وفي ثالثة أن ((دُعَاءَ هُ كَانَ في مَسْجِدِ الأَحْزَابِ)) (لا تغتر بمن جعله ومسجد الفتح مسجدًا واحدًا، وسيأتيك تفصيل ذلك ص 64 - 71) (كما في رواية ابن سعد، وابن الغطريف، والبيهقي، والمقدسي، وابن عبد البر في إحدى رواياته).
ومن كان هذا حاله يختلف عليه الثقات في الحديث الواحد، وهو قد طعن فيه بأنه ((صدوق يخطئ)) اعتبرنا ذلك الطعن، وأجرينا عليه القبول والرضا.
لا سيما إذا كان ذلك الراوي ليس من الحفاظ المعروفين بالحفظ وجمع الطرق وكثرة الرواية، كما هو الحال في كثير بن زيد.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (6/ 216): ((لكن هذا التلوُّن في الحديث الواحد مع اتحاد المخرج يوهِّن راويه، وينبئ بقلة ضبطه، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث، فلا يكون دالاً على قلَّة ضبطه)).
قلت: كثيرٌ ليس بكثير الحديث ولا الرواية كالحفاظ المعروفين بجمع الطرق، فالاختلاف عليه ينبئ بقلة ضبطه كما ذهب إلى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله فيمن حاله كان كذلك.
وغمز شيخ الإسلام حديث جابر هذا بكثير بن زيد، وذلك في اقتضاء الصراط المستقيم ص (429) قائلاً: ((وفي إسناد هذا الحديث كثير بن زيد، وفيه كلام يوثقه ابن معين تارة، ويضعفه أخرى، وهذا الحديث يعمل به طائفة من أصحابنا وغيرهم، فيتحرون الدعاء في هذا كما نقل عن جابر!! ولم ينقل عن جابر! أنه تحرى الدعاء في المكان، بل تحرى الزمان)).
وقوله كما نقل ولم ينقل من صيغ التمريض تشعرنا بتضعيفه لهذا الحديث، وعدم ارتياحه لما نقل عن جابر
?
العلة الثانية في إسناده: عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك. ترجم له البخاري في التاريخ الكبير (5/ 133)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 95)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً.
وذكره ابن حبان في ثقاته (7/ 3)، على قاعدته في توثيق المجاهيل!!
فلا يلتفت إلى توثيقه، ويبقى عبد الله بن عبد الرحمن في حيز المجهولين، ومستوري الحال، كما هو معروف عند أهل العلم في مثل هذه الحال.
قال ابن كثير في تفسيره (1/ 139) عن موسى بن جبير الأنصاريّ: (( ... وذكره ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل، ولم يحك فيه شيئًا؛ لا هذا ولا هذا، فهو مستور الحال ... )).
وبهذا نعلم جهالة حال عبد الله بن عبد الرحمن، وضَعْفَ كثير بن زيد كما تقدم، وهما في إسناد أحمد وغيره.
ومن هنا نعلم أيضًا خطأ قول الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 12)، ومن تبعه على قوله عن هذا الإسناد ((بأن رجال أحمد ثقات)).
وهو فيه ضعيف ومجهول الحال كما قد عرفت، فلا تغتر بقولهما، ولا بمن تبعهم على هذا التوثيق، أو حسن أو جود هذا الإسناد، فإن أكثر المتقدمين على خلاف قولهم.
وإن تعجب فاعجب لقولهم عن هذا الإسناد ((بأن رجاله ثقات))، وقد تركوا توثيق ما هو أحسن منه حالاً، ذاك الإسناد الذي خرجه ابن سعد وغيره كما تقدم عن عبيد الله عن كثير بن زيد، عن عبد الرحمن بن كعب، عن جابر في مسجد الأحزاب.
وليس لهذا الإسناد علة (في الظاهر) سوى كثير بن زيد، بخلاف الإسناد الذي وثقوا رجاله، فإن له علتين: كثير وعبد الله بن عبد الرحمن.
وأما أبوه ((فثقة)) كما قال الحافظ في التقريب.
وللحديث طريق ومتن آخر جاء فيه ذكر مسجد الأحزاب.
¥