تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عُلَمَائِنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْهَا رِسَالَةً حَسَنَةً جَيِّدَةً وَأَجَابَ عَنْ مَا اِسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ الكنكوهي جَوَابًا شَافِيًا. وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ فِي مَنْزِلِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَيْلُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِجَمْعِ أَهْلِهِ لَا لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِاسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً لَا لِكَرَاهَتِهَا فَمَا لَمْ يُدْفَعْ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَهْلِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، بَلْ غَايَةُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ فَيَمِيلُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّيَ بِأَهْلِهِ فِيهِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُنْفَرِدًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ لَثَبَتَ مِنْهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ لَا مُنْفَرِدًا وَلَا بِالْجَمَاعَةِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورِ عَلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فُرَادَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ. وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ الكنكوهي لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ. فَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فُرَادَى جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَتَفَكَّرْ.

تَنْبِيهٌ: اِعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْحَنَفِيَّةَ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَثَرًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ أَيْضًا عَلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ الشَّامِيُّ فِي رَدِّ الْمُخْتَارِ وَرَوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَةُ صَلَّوْا فُرَادَى اِنْتَهَى. قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ هَذَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ خِلَافُهُ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ أَخْرَجَهُ مَوْصُولًا، نَعَمْ أَخْرَجَ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ إِذَا دَخَلُوا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ صَلَّوْا فُرَادَى اِنْتَهَى، لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِأَنَّ صَلَاتَهُمْ فُرَادَى إِنَّمَا كَانَتْ لِخَوْفِ السُّلْطَانِ. قَالَ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ. حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، قَالَ إِنَّمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْمَعُوا مَخَافَةَ السُّلْطَانِ اِنْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ: وَاقِعَةُ الْبَابِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَيْنَا فَإِنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي مُفْتَرِضَيْنِ، وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ الْمُقْتَدِي مُتَنَفِّلًا اِنْتَهَى. قُلْتُ: إِذَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ حُصُولُ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ فَحُصُولُ ثَوَابِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ بِالْأَوْلَى. وَمَنْ اِدَّعَى الْفَرْقَ فَعَلَيْهِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُ جَوَازِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ أَصْلًا لَا بِمُفْتَرِضَيْنِ وَلَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ وَعَدَمِ جَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ. كَيْفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَنَسًا جَاءَ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ فِتْيَانِهِ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَفِتْيَانُهُ كُلُّهُمْ كَانُوا مُفْتَرِضَيْنِ، وَكَذَلِكَ جَاءَ اِبْنُ مَسْعُودٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَجَمَعَ بِعَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ كُلَّهُمْ كَانُوا مُفْتَرِضِينَ فَتَفَكَّرْ.

5 - وورد في التمهيد، لابن عبد البر:

قال أبو عمر: قد قال صلى الله عليه وسلم " اشفعوا تؤجروا "، وفيه إطلاق السؤال لغيره، والله أعلم، وقال:" ألا رجل يتصدق فيصلي معه " قال أبو بكر قيل له يعني أحمد بن حنبل: فالرجل يذكر الرجل فيقول: انه محتاج.

فقال هذا تعريض وليس به بأس ... " أهـ

والله أعلم وأحكم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير