تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على العيوب؛ فيحيلان الضئيل منها ضخمًا، والقليل كثيرًا، والموهوم واقعًا. وإذا معاهد العلم الحديث تزوَرّ عنه، وتجهر بعجزها عن استيعابه، واستغنائها عن أكثره، وتقنع منه باليسير أو ما دون اليسير؛ فيستكين ويخنع.

والحق أن النحو منذ نشأته داخلته - كما قلنا - شوائب؛ نمت على مر الليالى، وتغلغلت برعاية الصروف، وغفلة الحراس؛ فشوهت جماله، وأضعفت شأنه، وانتهت به إلى ما نرى.

فلم يبق بد أن تمتد إليه الأيدى البارّة القوية، متمالئة فى تخليصه مما شابه، متعاونة على إنقاذه مما أصابه. وأن تبادر إليه النفوس الوفية للغتها وتراثها؛ المعتزة بحاضرها وماضيها؛ فتبذل فى سبيل إنهاضه، وحياطته، وإعلاء شأنه - مالا غاية بعده لمستزيد.

ومن كريم الاستجابة أن رأينا فى عصرنا هذا - طوائف من تلك النفوس البارّة الوفية سارعت إلى النجدة؛ كُلٌّ بما استطاع، وبما هو ميسر له؛ فمنهم من ذلل للناشئة لغته، أو اختصر قاعدته، أو أوضح طريقة تدريسه، أو أراحهم من مصنوع العِلل، وضارّ الخلاف، أو جمع بين مزيتين أو أكثر من هذه المزايا الجليلة الشأن. لكنا - على الرغم من ذلك - لم نرى من تصدى للشوائب كلها أو أكثرها؛ ينتزعها من مكانها، ويجهز عليها ما وسعته القدرة، ومكنته الوسيلة؛ فيربح المعلمين والمتعلمين من أوزارها. وهذا ما حاولته جاهدًا مخلصًا قدر استطاعتى، فقد مددت يدى لهذه المهمة الجليلة، وتقدمت لها رابط الجأش، وجمعت لها أشهر مراجعها الأصيلة، ومظانها الوافية الوثيقة، وضممت إليها ما ظهر فى عصرنا من كتب، وأطلت الوقوف عند هذه وتلك؛ أديم النظر، وأجيل الفكر، وأعتصر أطيب ما فيهما حتى انتهيت إلى خطة جديدة؛ تجمع مزاياهما، وتسلم من شوائبهما، وقمت على تحقيقها فى هذا الكتاب متأنيًا صبورًا. ولا أدرى مبلغ توفيقى. ولكن الذى أدريه أنى لم أدخر جهدًا، ولا إخلاصًا.

إن تلك الشوائب كثيرة، ومن حق النحو علينا - ونحن بصدد إخراج كتاب جديد فيه - أن نعرضها هنا، ونسجل سماتها، ونفصل ما اتخذناه لتدارك أمرها. وهذا كله - وأكثر منه - قد عرضنا له فى رسالة سابقة نشرناها منذ سنوات بعنوان: "رأى فى بعض الأصول اللغوية والنحوية"، ثم أتممناها بمقالات عشر؛ نشرت تباعًا فى مجلة رسالة الإسلام، خلال سنتى 1957 و 1958م وجاوزت صفحاتها المائة. وقد جعلت من هذه وتلك، ولمحات غيرهما، مقدمة لهذا الكتاب سنتشر مستقلة؛ بسبب طولها، وكثرة ما اشتملت عليه - فى رسالة عنوانها: "مقدمة كتاب النحو الوافى" وهى اليوم فى طريقها للنشر

على أن هذا لا يعفينى من الإشارة العابرة إلى الدستور الذى قام عليه الكتاب، والغرض الذى رميت من تأليفه، مستعينًا بخبرة طويلة ناجعة، وتجربة صادقة فى تعليم النحو؛ طالبًا مستوعبًا، ثم تعليمه فى مختلف المعاهد الحكومية مدرسًا، فأستاذًا ورئيسًا لقسم النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم، بجامعة القاهرة، سنوات طوالا.

3

وأظهر مواد ذلك الدستور ما يأتى:

1 - تجميع مادة النحو كله فى كتاب واحد ذى أجزاء أربعة كبار، تحوى صفحاتها وما تضمنته من مسائل كل ما تفرق فى أمهات الكتب، وتغنى عنها. على أن يقسم كل جزء قسمين، تقسيمًا فنيًّا بارعًا. أحدهما موجز دقيق يناسب طلاب الدراسات النحوية، بالجامعات - دون غيرهم - غاية المناسبة، ويوفيهم ما يحتاجون إليه غاية التوفية الحكيمة التى تساير مناهجهم الرسمية، ومكانهُ أول المسائل، وصدرها. ويليه الآخر - بعد نهاية كل مسألة - بعنوان مستقل هو: "زيادة وتفصيل"؛ ويلائم الأساتذة والمتخصصين أكمل الملائمة وأتمها، فتبتدئ "المسألة"- وبجانبها رقم خاص بها - بتقديم المادة النحوية الصالحة للطالب الجامعىّ، الموائمة لقدرته ومقَرّره الرسمىّ، ودرجته فى التحصيل والفهم، مع تَوَخّى الدقة والإحكام فيما يقدم له، نوعًا ومقدارًا. فإذا استوفى نصيبه المحمود انتقلتُ إلى بَسْط يتطلع إليه المتخصص، وزيادة يتطلبها المستكمل. كل ذلك فى إحكام وحسن وتقدير، بغير تكرار، ولا تداخل بين القسمين، أو اضطراب. وبهذا التقسيم والتنسيق يجد هؤلاء وهؤلاء حاجتهم ميسرة، موائمة، قريبة التناول؛ لا يَكُدُّون فى استخلاصها ولا يجهدون فى السعى وراءها فى متاهات الكتب القديمة؛ وقد يبلغون أو لا يبلغون.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير